للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

المفوه والمنطقي البليغ الذي استطاع أن يدحض حجة الخصوم ويعلي كلمته مدة ثلاثاً وعشرين حجة.

أما كتابه قواعد الجلال والجمال هذا الذي نريد أن نتحف القراء بأطايبه فهو من مؤلفات صباه ولكنه كهل الحكمة مشحون بالفلسفة يهدي القارئ إلى أسرار الجلال والجمال بعيدها وقريبها فيصبح له في أنحاء الوجود وأرجاء الطبيعة الجامدة والناطقة نظرة الفيلسوف النقاد والحكيم البصير. ذلك إلى ما يمتاز به موضوع الكتاب من دواعي الإمتاع واللذة، وأي شيء أروع في الفؤاد وأعذب في النفس من الجمال والجلال.

الفصل الأول

الجدة

أول وأبسط ما يبدو لنا من حركات النفس الإنسانية هو الوجدان المسمى التطلع وأعنى بالتطلع الميل إلى استكشاف الجديد والتلذذ به. ونحن لا نزال نرى الصبيان يعدون من مكان إلى مكان لتصيد الشيء الجديد يتهافتون على كل ما يصادفونه لا يتخيرون ولا ينتقون فكل شيء يجذب أبصارهم لأن كل شيء جديد في عصر الطفولة، ولكل جديد لذة تستميل وتستهوي ولكن لما كانت هذه الأشياء التي لا سبيل لها إلى النفوس البشرية إلا مزية الجدة لا تلبث أن تزول بالتكرار جدتها لذلك كان التطلع أسرع الوجدانات النفسانية زوالاً وأكثرها انتقالاً وأقلها من النفس استمكاناً. فهو ذو شهوة حادة ولكنها سريعة الاكتفاء. سهلة الاشتفاء. وهو أبداً مشفوع بخلتي القلق والشوق. والتطلع بطبيعته حركة دائبة. سريع المر على ما يصادف من الأشياء فما هو إلا زمن قصير حتى يستوعب صنوف الموجودات التي يلقاها المرء في هذا الكون. ثم يكثر تردد هذه الموجودات على الحواس وكلما كثر خواص ممتعة وصفات معجبة خلاف صفة الجدة لأصبح الإنسان بعد مضي عصر الطفولة لا يبصر في هذه الدنيا إلا ما يكره ولا يرى إلا ما يمل ويسأم. بيد أن هذه الأشياء المؤثرة في النفوس بقوى خلاف عامل الجدة نرى أن الحكمة الإلهية لا تخليها بتاتاً من نوع ما من الجدة فإنه لا يخلو البتة من الجدة إلا ما أخلقه الابتذال وأبلاه الامتهان وسلبه طول الصحبة والمزاولة كل بهجة وطلاوة.

الفصل الثاني