للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

الألم واللذة

فمن ذلك نرى أن تحريك الوجدانات في نفوس الكبار يستلزم أن تكون الأشياء المراد منها ذلك التحريك تحتوي - فضلاً عن شيء ما من الجدة - عوامل أخرى محدثة أما ألماً ولذة. والألم واللذة هما وجدنان سبطان لا يمكن تعريفهما والإنسان لا يخطئ قط معنى ما يعتريه من الوجدانات ولكنه كثيراً ما يخطئ في تسميتها وفي الكلام عن أسبابها ونتائجها فيذهب البعض إلى أن مصدر الألم إنما هو زوال لذة ما، كما أن منشأ اللذة إنما هو انقطاع أو تخفيف ألم ما. فأما الذي أذهب إليه أنا فهو أن كلا الألم واللذة القوى منعهما والضعيف هو أمر حادث ووجدان إيجابي لا سلبي وليس أحدهما متوقفاً وجوده على زوال الآخر. ورأيي أن النفس الإنسانية تكون في معظم أوقاتها بحال ليست هي بالألم ولا باللذة أسميها حالة فتور فإذا انتقلت من هذه الحال إلى حالة لذة واقعية فما أحسب أن ذلك يستلزم أني أعاني أولا شيئاً من الألم. فإذا كنت في مثل هذه الحالة من الفتور أو الراحة أو السكون أو كما شئت أن تسميها ففوجئت بالغناء المطرب أو المنظر المونق ذي اللون المشرق والشكل المعجب أو صافح أنفك شذى المسك ونفح الطيب. أو تشرب لذيذ الراح على غير ظمأ إليها، أو تذوق الحلوى على غير سغب، فإنك لاشك تجد في كل من هذه الأحوال لذة مع أنك لم تكن قبل الاستمتاع بهذه المناعم في شيء من الألم. وهل إذا أمتعت حواسك بهذه المناعم المختلفة ثم زالت عنك لنسها تستطيع أن تقول أن زوال هذه اللذة قد أعقبك ألماً. ومن جهة أخرى إذا كنت في حالة فتور فأصابتك لطمة شديدة أو تجرعت شراباً مراً أو خدش سمعك صوت منكر أفتقدر أن تقول إنك لم تجد لهذه الأشياء ألما محتجاً على ذلك بأنها لم تكن نتيجة زوال لذة. فإذا قيل أن الألم في هذه الأحوال إنما نشأ من زوال لذة ولكن هذه اللذة كانت من شدة الخفاء بحيث أنه لم يكن ليظهرها إلا زوالها، قلت أن هذا القول تكلف ليس له أساس من الحق فإنه لا شيء قط يدعوني إلى التسليم بوجود مالا أجد ولا أحس فإن اللذة لا تكون لذة إلا إذ شعر بها لذلك لا أستطيع حمل نفسي على الاعتقاد بأن الألم واللذة هما أمران متعلق أحدهما بالآخر وأ، هما لا يوجدان إلا بمضادة أحدهما للآخر. ولكني اذهب إلى أن هناك آلاماً وملاذ إيجابية لا يتوقف بعضها على بعض. وهذا ما يدلني عليه الشعور الصادق والإحساس الصحيح. ولا أكاد أميز بين ثلاثة أشياء متباينة مستقلة