للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يوماً وحاولت نفيهما إلى السودان وأعد عثمان باشا ماهر المعروف بالسنيورة محافظ مصر وقت ذلك مشروعاً بذلك تقدم إلى مجلس النظار ولكن المجلس لم يقر عليه إذ لاحظ المرحوم فخري باشا ناظر الحقاقية إذ ذاك أن النفي المطلوب يعد ضربة للقضاة الأجانب الذين التجأت مصر إلى عونهم على توزيع وجوه العدل في هذا البلد ولاسيما أن القرار الذي أصدروه بأن لا وجه لإقامة الدعوى كان باكورة أعمالهم. ولكن على الرغم من هذه المعارضة ظل المترجم به رهن المحابس حتى رفعت ظلامته إلى المستر مكسويل وكان نائباً عمومياً أمام المحاكم الأهلية فأخذه العجب لذلك وأمر على الفور بإطلاق سراحهما فكان ما أمر.

وعاد المترجم به بعد أن ردت إليه حريته الشخصية إلى الاشتغال بالمحاماة مع شريكه وكان ذلك إبان افتتاح المحاكم الأهلية وكان أول من تقيد اسمه في محكمة مصر محامياً وكان ذلك عام ١٨٨٤.

وانفسخ إذ ذاك المجال في قضايا الجنايات للقوة الخطابية وبدأ المحامي يدلي بدفاعه أما منصة القضاء ويبسط حججه بلسانه ويستنصر ببلاغه مذوده، وهنا تجلي للناس صاحب الترجمة يحمل تحت لسانه وفي تضاعيف صوته موهبة عظيمة الشأن جليلة القدر كانت حرارتها من قبل ذائبة في مداد قلمه، وإذا به ذلك الخطيب المفوه العظيم الذي إذا خطب الناس قاد آراءهم وقاد مع آرائهم إرادتهم، وإذا تكلم رفعهم فوق أنفسهم وأحدث فيهم قوة جديدة لم تكن تجري في شرايينهم وإذا أراد أن يهزم أفكار سامعيه، ويفتح أذهانهم نثر فيهم روحه فكلهم إذ ذاك قطعة منه لا تزال تنجذب إليه بقوة المغناطيسية المنطقية.

وكانت صناعة المحاماة في ذلك العهد على أسوأ حال وأحقر مكان وأحط قدر لا يلقي بنفيه في تيارها الكدر إلا الذين استهدفوا لسوء القالة وشين السمعة وخسران الكرامة وقد كان من ضعف ثقة القوم بأهل هذه الصناعة وخشية شرهم ورهبة ضميرهم وإذاهم أن لقبوهم بالمزورين ودعوهم بالأشرار أو ما هو في اصطلاحهم العامي المرازين ولكن المترجم به كان العامل على تطهير سمعة هذه الصناعة الإنسانية الكبرى وإعلاء كلمتها والنهوض بها من عثرتها والسمو بها من كبوتها ورد كرامتها عليها، ولم يكن ليخشى على مكانته الشخصية أن يصيبها شيء من سوء تلك السمعة إذ لا يضير الفيل العظيم أن يكون مركباً