للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وخولهم حسن الوفاء وأهدوه سوء الغدر وأنزلهم من قلبه مرعى كريماً. وارتعوه من لؤمهم مراداً وخيماً فلا غرو أن كره الناس وحنق على البشر وأصبح يقذى طرفه بصورة الإنسان وعاد نسخة أخرى لذلك البطل الخيالي الذي ألف عليه شاكسبير إحدى مصنفاته تيمون اتينا وإنما الفرق بين بطل الشاعر الأكبر وبين أندرو ترفرتون تيمون لندن هو أن الأول فر من لؤم العالم إلى شاطئ البحر وفر الثاني إلى كوخ منفرد بعراء لندن. وإن تيمون اتينا نفث حنقه وغيظه في إبداع الشعر وقذف تيمون لندن مراجم غضبه نثراً.

وسكن قرية قد احتجبت عن الدنيا بأسوار عالية وانقطعت عن العالم بحائلين: حائل من الطوب والحجارة وحائل من النفرة والقطيعة. وأشيع عنه أنه أصبح أبخل الناس يشح بالسحتوت والدانق وليس الأمر كذلك ولكنه كره كل ملذة وزهد في كل منعم ومترف فأصبح لا يعرف فيم ينفق المال وأين وإن كان في العالم رجل يبغض المال. بغض الداء العضال. ويرى رنين القطع الذهبية كرنين ناقوس المنية فذاك هو اندور نرفرتون.

واتخذ خادماً يدعى شرول كان أشد نقمة منه على العالم وبغضاً للدنيا ومنع داره أن تمس تربها قدم آدمية وتزعزع هواءها نغمة انسية. وأرسل لحيته وليحة خادمه وكان حمل اللحية إذ ذاك يرى آية على الجنون ولو عاش ترفرتون اليوم لما وصمت اللحية عقله وألقت الريبة على لبه ولكنها كانت تشين ولا شك سمعته وتلوث اسمه وكنيته وليست أنكر أن آراءنا في موضوع اللحية قد ارتقت اليوم وتحسنت وإن كان ينتظر لها رقي فوق ذلك ومنزلة أسمى. أو يحسب أحدكم أنه يتأتى لأحد موظفي المصارف المالية أن يجمع في وقت واحد بين لحيته ووظيفته؟

وكانت عيشة هذا الرجل وخادمه أشبه ما يكون بعيشة الرجل المتوحش في أوائل الزمن وطفولة الدهر. وكان مذهب المستر ترفرتون أن يقلل ما استطاع من معوله في شؤون الحياة والعيشة على معونة الناس الذين إنما يدعون المعونة في نظره دعوى كاذبة ويتخذونها ذريعة إلى الأذى والغدر والخديعة وكذلك أستغني عن خدمة الخضري بقطعة من الأرض وراء داره زرعها خضرا وبقولا. ولو فسح له الله في تلك القطعة لاستغني عن الفلاح وزرع حنطته بيده. ولكنه إن أعياه الاستغناء عن الزارع فلم يعيه عن الطاحن والخابز. فاستحضر رحي وقسم العمل بينه وبين خادمه فأخذ الطحين وأعطي الخادم العجن