للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

شأنه أن يكون شقياً بفرضين معذباً ضعفين. يكاد لا يكون له من وقته شيء. فهو مقسم بين الأعمال الرسمية الشاقة وبين خدمة العلم يعمل لها بالتأليف والتعريب شطر الليل وأحياناً طوال الليل ومدة العطلة فإذا لامه في ذلك أصدقاؤه هز كتفه هزة فيلسوف لا يبالي مات اليوم أو مات غداً، نعم كان المؤلف فتحي يعتقد أن الحياة تقدر بما يتم فيها من العمل الصالح لا بعدد السنين.

يكاد كلامي يلقى في الأذهان من فتحي باشا صورة عالم استغرقته أغراضه وشغلته همومه فزهد في الجمعية وفرط في القيام بالاصطلاحات المدنية. كلا إن فتحي باشا على ذلك كان مترفاً في عيشته متأنقاً في مظاهرها المختلفة. كثير الاختلاط لا تفوته عيادة مريض من أصدقائه ولا رد لزيارة ولا مواساة معارفه في أحزانهم. كذلك لا ينقبض عزمه عن شهود حفلة أنس. ولا تلوى به همومه ومشاغله عن الاعتناء باقتناء التحف والطرف وتعرف أوضاع الجمال حيث كان رحمه الله كان على علمه العميق ومنزلته العالية رجلاً غاية في الوداعة والظرف.

من ذلك يظهر لي أن فتحي باشا كان يعتقد الحياة الفردية كلا واحداً من حقه أن يكون متعادلاً في جميع مظاهره. وأن اعتدال السلوك لا يتم إلا بهذا التعادل فكما يجب على المرء أن يخدم عقله كذلك يجب عليه أن يخدم مشاعره. حتى لا تعطل ملكة من الملكات تضحية لملكة أخرى. ولا شك في أن خير قاعدة تنتج المثل الأعلى للرجل الكامل بمعنى الكلمة هي قاعدة تنمية ملكات الإنسان وقواه بنسبة واحدة.

كذلك كان فتحي باشا. وعلى هذا كنا نراه في شؤونه. غير أن الاستثناء كان يلحق لديه هذه القاعدة أيضاً. فإنه يظهر لنا من جهة أخرى أنه كان يضحي قواه الجثمانية في سبيل شهوته العلمية. وهذا المثال مع الأسف هو وقلة الحرص على المال كأنهما أمران عامان في كثير من أبطال العلم وخدمة الأوطان.

عفواً. أيها السادة. ليس فتحي في عداد الموتى الذين يؤبنون بقولة واحدة تردد لكل منهم على السواء: كان وكان. . . وعليه الرحمة والرضوان. إن فتحي ليس ملكاً لأهله وأصدقائه بل هو ملك التاريخ. وبهذا العنوان يدب علينا دراسته إنه صورة كبرى من أكبر صور النبوغ المصري بروزاً وأولاهم بالعناية والدرس. إنه رجل كبير. كبير في عقله