للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

دلائل الحب وجعل يرى أن من كانت مثلها وفيه للميت. لابد أن تروح ودوداً للحي، ولكنها رفضت سؤاله، إذ كانت جميع أفكارها سابحة في ذكرى حبيبها الأول. على أنه أصر على رجائه وألحف في سؤاله. واستشفع إليها من ناحية مكانتها. لا من ناحية فؤادها ورقتها. وأعانه على سؤله اعتقادها بفضله. وشعورها بسوء حالها. وضيق ذات يدها. إذ كانت تعيش من عطف الأصدقاء، وحدب الخلصاء. وجملة القول إنه فاز أخيراً بيدها وإن علم أن قلبها نصيب غيره. لا تحويل لذل ولا تبديل.

ورحل بها إلى صقلية. وهو يعلل النفس بأن تغيير المناظر والمعاهد قد يمحو من فؤادها ذكرى أحزانها الأولى. وكانت له زوجة محبوبة وكانت معه قدوة للزوجات. وقد حاولت فما استطاعت أن تكون ناعمة البال. رخية العيش. وأي دواء يداوي ذلك الحزن الصامت القاتل. الذي بلغ صميم الروح. واستقر في أعماق النفس، وبدأت تهزل وتضمحل وتفتر فتوراً ضعيفاً بطيئاً. حتى هبطت إلى القبر ضحية قلب كسير.

وقد بكاها الشاعر الإيرلندي مور بهذه الأسطر الآتية:

لقد أصبحت بعيدة عن الأرض التي يهجع عندها حبيبها الفتى يرسل حولها العشاق حار الزفرات. وساخن التنهدات. وهي تغضى عنهم نظرها وتسترسل في البكاء والنحيب. لأن قبر حبيبها يرقد فؤادها.

وإنها لتغني أناشيد بلادها وتصدح بأغاني قومها. وتذكر كل نغمة كان يحب وكل لحن كان يؤثر. فواها لها. إنهم ليتهيجون بأغاريدها ويطربون لنشائدها ولا يعلمون أن قلب المغنية جريح. وفؤاد المنشدة كسير.

عاش لحبه. ومات لبلده. وما أدرجوه إلا في أكفان الحياة فلن تجف عليه دموع قومه. ولن يطل مكث حبيبته بعده.

إلا فاجعلوا قبرها عند مطلع الشمس. ومشرق الضياء. ومبعث النور ليسطع في الصبح البهي فوق مضجعها. يحييها بابتسامة من جزيرة حزنها. . .