للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

الوجدان - العطف - كنوع من البدل والعوض به يستطيع المرء أن يضع نفسه موضع الغير فيرى برأيه ويحس بقلبه في كثير من المواطن. فهذا الوجدان ذو وجهين. فتارة يكون من قبيل تلك الوجدانات الخاصة بالمحافظة على النفس فمحوره الألم ولذلك يعد مصدراً من مصادر الجليل. هذا من جهة وتارة تكون اللذة محور هذا الوجدان فينطبق عليه كل ما قيل في الوجدانات الاجتماعية سواء كانت خاصة بالمجتمع على وجه عام أو ببعض أشكالها وهيئاتها. وإنه بهذه الوسيلة - أي بفضل وجدان العطف - يستطيع الشاعر والمصور والموسيقار بقوة القصيد والنقش والأنغام أن ينقلوا وجداناتهم من صدورهم إلى صدرو الناس، وان ينفضوا لذة ومسرة على الشقاء والبؤس بل على الموت ذاته. وذلك أن هذه المصائب آلم الأشياء في الحقيقة ولكنها في الفنون الجميلة مصدر لذة عظيمة. وقد كانت هذه القضية موضع كثير من الجدل والمناقشة. فقالوا إن سبب تلك اللذة هو اعتقادنا أن هذه القصة المحزنة ما هي إلا حديث خرافة، ثم سرورنا بالنجاة مما تصفه هذه الفنون من الآفات والبلايا. والذي أراه أن من الخطأ في مثل هذه المباحث أن يسند سبب الإحساسات تلك التي إنما منشأها بنية الجسد أو تركيب النفس وكيانها الخاص إلى النتائج المنطقية التي هي نمرة في البحث في شأن الأشياء المثيرة لتلك الإحساسات المذكورة. إذ الحقيقة أن تأثير القوة الاستدلالية في تهييج الوجدانات هو أقل بكثير مما يحسب العالم.

الفصل الرابع عشر

الكلام على تأثير وجدان العطف على المنكوبين في نفس صاحب

الوجدان

قبل البحث في موضوع تأثير المأساة على نفوس البشر يلزمنا أن ننظر كيف نتأثر بالمصائب الحقيقية التي تصيب الغير من بني جنسنا. ولا يسعني في هذا الصدد إلا القول بأن المرء يجد ولاشك شيئاً من السرور ليس بالقليل لما يصيب غيره من فجائع الدهر. فإن مصيبة الغير إذا لم تكن من البشاعة بحيث تنفرنا من المصاب فلا نستطيع الدنو منه بل كانت بحيث تغرينا بالاقتراب من صاحب البلوى. ومصاحبته والعطف عليه، إذن فلا بد من أن يكون لنا في ذلك نوع ما من المسرة وإلا فما كنا نستطيع إقبالاً على صاحب البلية. الست ترانا نجد في قراءة حقائق تواريخ أمثال هذه الفجائع من اللذة مثل ما نجد في قراءة