للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

المحكية. فالفرق الوحيد هو الشرور الناشئ من تأثير التقليد والحكاية. فإنه مهما بلغ من أحكام التقليد ودقة الحكاية فليس يخفى علينا أنه تقليد لا حقيقة وهذا محدث لنا شيئاً من اللذة. وفي بعض الأحايين قد توازي اللذة المولدة من تأثير التقليد تلك المستفادة من الشيء نفسه. بيد أني أخطئ من يزعم أن جانباً عظيماً من سرورنا بالمأساة ناشئ من علمنا بأنها خداع وليست بحقيقة وأقول أنه كلما دنت المأساة من الحقيقة وبعدت من الخرافة كانت أشد تأثيراً وأعظم وقعاً. على أنه مهما يكن وقعها وتأثيرها فلن تبلغ في ذلك مرتبة الحقيقة التي تمثلها. وسأضرب لذلك مثلاً فأقول أعمد ذات يوم إلى أكبر المراسح وأفخمها وأعمل على أن تمثل به أجل مأساة وأعظمها. وأندب لذلك صفوة طائفة الممثلين ونخبتها. واستكمل لدار التمثيل زخرفها وزينتها. واستعن على ذلك بأقصى قدرة الفنون الثلاثة الشعر والتصوير والموسيقى ومنتهى سحرها وفتنتها. حتى إذا احتشدت جموع المشاهدين. والتف محافل المفترجين واشرأبت للمشهد المرقوب أجيادهم. وامتدت للمنظر المنتظر أبصارهم. فأذع بين جمهورهم أن مجرماً كبيراً سياسياً يساق إلى المشنقة في الميدان المجاور. ثم انظر ماذا يكون. لاشك أنك ستبصر بيت التمثيل قد أقفرت في الحال عرصاته وصغرت من ذلك الجمع الكثيف ساحاته. وإن جمهور النظار قد هرعوا سراعاً إلى ميدان المشنقة. دليل لعمرك قاطع على ضعف تأثير الفنون التقليدية إزاء سلطان الحقيقة. وقوة الوجدانات الحقيقية. ويخطئ البعض فيقولون إن رؤية المصائب الوقعية مشفوعة بالألم المحض. وخطأهم هذا راجع إلى عدم تمييزهم بين الشيء الذي يأبى أحدنا البتة أن يفعله والشيء الذي لو وقع لتاقت أنفسنا إلى رؤيته. فنحن يسرنا أن نبصر من الأشياء ما نود من صميم الفؤاد إصلاحه وتعويضه فمن باب أولى لا نود أن نفعله بأيدينا. انظر إلى لندن هذه المدينة الفاخرة أفتحسب أن إنساناً قد بلغ من خبثه وشره أن يحب أنه يرى هذا البلد الأمين فخر إنكلترا وأوروبا قد خرب بسبب زلزال أو حريق ولو أنه بموئل من بادرة هذا المصاب ومعتصم. ولكن هب أن هذا المصاب قد حدث بالفعل إذن فأي جموع وجماهير يأتون من مهاب الرياح الأربع لينظروا الآثار الخربة والأنقاض وبينهم من كل لا يعنيه أن يبصر المدينة في رونق بشاشتها وبهجة جمالها. وليس خلاصنا من المصاب - حقيقياً كان أو خيالياً - هو سبب سرورنا. أنا لا أرى ذلك مطلقاً: وأظن أن منشأ هذه الغلطة هو عدم