للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

على نقصها وعجزها أما ما وراء ذلك فلا قبل لكن به وكيف وأنتم لا تنظرون إلى أبعد من أنوفكم ولا تنضون رواحل أذهانكم إلا إلى ما ليس وراءه طائل من الأمور المادية فإذا سمعتم شيئاً عن الروح قلتم سخف وهراء. فإذا جادلنا كم قلتم هاتوا دليلا علمياً، أفحسبتم أن الروح مما يوضع في موازينكم الحساسة ويطحن في هاوونكم العلمي ويغلى ويحلل على نار (بنسن)؟ كلا! يا سيدي آمنوا بالروح فإنها حقيقة ثابتة لا مرية فيها، قلت ومن أنبأك إني لا أؤمن بها. قال ما كنت أحسبك إلا كغيرك ممن سدت المعامل في وجوههم منافذ النظر والتفكير. ثم اندفع يحدثني عن الروح وأنا أنظر إليه كمن غبى عنه معني ما يسمع ويقول إن الأرواح بعد الموت لا تفني ولا يتقاضاها ما يتقاضى الجسم من البلى بل تلبس أجساماً أخرى وكلما بلى بدن خلعته وإكتست غيره وكثيراً ما حدث أني أبصرت عصفوراً يعذبه أصحابه فابتعته منهم وأطلقته إذ ما يدريني لعل في جسم هذا العصفور وروح قريب لي أو عزيز علي ومن أجل هذا تراني أكرم هذا القرد وأبالغ في توفير أسباب الراحة له ثم أطرق وجعل ينكت الأرض بعصاه وقال بصوت خافت كأنما يحدث نفسه إلا من لي أن يرحم الناس هذا الروح التي بين جنبي إذا انتقلت إلى جثمان غير جثماني! ثم ودعته وانصرفت وأنفق لي بعد ذلك أن زرته فأبطأ على وكان في المكان قلم ودواة وورق فتناولتها وكتبت له هذه الرسالة على لسان القرد وتركتها تحت عينه:

سيدي ومالك رقي

لقد حرمتني المقادير نعمة النطق بما سلبتني من الإنسانية ووهبتني من الحيوية فلم يكن في مقدوري وهذه حالي من العجمة إن أفصح لسيدي عن شكري لصنائعه وأياديه وأكشف له عن حقيقة أمري حتى قيض الله لي هذه الأدوات فأحببت أن أقفه على ما يجهل من أمري جزاء ما قلدني من النعم وطوقني من المنن فليعلم سيدي إني كنت في أول حياتي وبدء نشأتي كبير البراهمة وعميدهم في الهند يرجعون إلى في الشدائد ويستصبحون برأيي في كل معضل من الأمور وعويصة من المسائل ولم أزل بينهم مسموع الكلمة محترم الرأي ملحوظ المنزلة حتى وافاني القدر المحتوم فنفضت عني رمتي وانتقلت إلى جسم آخر فلم أزل صاعداً في مدارج الشرف ومراتب الجاه حتى صرت وزيراً لبعض الملوك ولكن طبيعة الإمارة والحكم أفسدت من خلقي ولوثت طهارة البرهمي لما تدعو إليه من الظلم