للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الرقص الحربي في روسيا]

اشتهر روسيا بأنها أخرجت في السنين الأخيرة أبدع الروائيين وأبدع الممثلات وأبدع المغنيات وأبدع الراقصات، فلا عجب في هذه الأوقات العصيبة، والظروف الحرجة أن تنتقل الروح الحربية عندهم إلى المسرح، ولا غرو أن يكون الرقص وهو أكثر الفنون إظهاراً للعواطف والوجدانات، أول فن يظهر لنا روح هذه الحرب الكبرى.

وقد أقيم هذه الأيام معرض للرقص الرمزي في بلاد الروس فأظهر اثنان من أشهر أساطين الرقص من الروس كيف يستطيعان أن يعرضا على أذهان الجمهور صوراً مؤثرة مما يحدث في ساحة الحرب وميدانها.

ونعني بالراقصين مسيو فوكين والمادموازل فوكينا، فهما بما يعرضان من صور الهازمين والمهزومين، والقتلى والجرحى، يقومان مقام أكبر المجلات التصويرية عن الحرب، ومن بين ضروب الصور الحربية التي يصورانها برقصهما الجديد، دنو العدو والنضال المستميت بين الجند، وإنقاذ الجرحى، وأسر الأسرى، وهزيمة المهزوم، ولكي لا يتبادر لذهن القراء أن رقصاً تصويرياًَ كهذا لحرب هائلة مخوفة كهذه قد يظهر مظهراً بارداً، لا سمة للحرارة والاضطراب والاهتياج فيه: نقول إن الخفة المتوحشة والجنون في الحركات، والبراعة في التصوير، التي يضعها الراقصان في أثناء رقصهما المحدث يترك المشاهد مضطرب المشاعر حار الفؤاد ثائر الوجدان، وليس هناك منظر أروع ولا مشهد أهول من منظر الهدوء الذي يبديه فوكين وهو يصور مشي الجندي القوي لأسر إلى قتال الجندي الهشيم الضعيف، وهو الذي تقوم بتصويره مدموازيل فوكينا ولذلك يقبض على رأسها بين يديه ويرميها على ظهرها ثم لا يزال يلوى نصفها الأعلى ويبسطه، تصويراً للقتال العنيف المهلك بين القوي والضعيف، كما ترى من الصورة الأولى، وأما الصورة الثانية فتمثل الفتاة الراقصة وهي تصور إسعاف الجرحى وإعانة القتلى، مستعينة في رقصها بإبريق من الماء تحمله في إحدى يديها، وبطاس تحمله في الأخرى.

ثم ترى في الحركة الثالثة كيف يسقط المهزوم السقطة الأخيرة التي لا نهضة له منها وأما عن روعة هذا الرقص التصويري وهوله والجنون الذي يبدو في حركات الراقصين فيعجز عن وصفه قلم الواصف.

وقد عد أهل الفن في الغرب هذا الابتكار في الرقص معجزة لا تباري، وأخذوا في