للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

المدنية الأوروبية، إن أوروبا اليوم المنتشرة على مدى الكرة الأرضية لهي النتيجة الباهرة لتشعب أفراد هذه الأسرة، والرابطة الوحيدة التي تصل اليوم بيننا هي الدم الألماني. . . لا يجلس على عروش الغرب إلا الألمان، إن التاريخ الحق سيبتدئ من اليوم الذي يقبض فيه الألماني بكفه العظيمة على تراث آبائه وأجداده.

وكذلك جعل تشمبرلن يبعد في القول ويمعن ويدلل لبني قومه ويثبت لهم أن في الألمان عنصراً حيوياً غريباً، هو الذي أعان كل من تجري في أعراقه الدماء الألمانية على إنجاز العظائم والقيام بالجسائم والمدهشات، وإن كل عظماء الأعصر الماضية إذا دققت البصر إليهم وحققت النظر فيهم لم يكونوا إلا ألمانيين نشأة ودماً وروحاً، هذا دانتي مثلاً الطلياني لم يكن - كما يقول تشمبرلن - إلا ألمانياً، بل انظر إلى وجهه ترله كل ملامح الوجوه الألمانية وتقاطيعها ومعارفها، وهذا باسكال كذلك وإن عده بعض الحمقى الأغفال من عظماء فرنسا ونادرة رجالها!!.

وبلغ من إلحاح تشمبرلن هذا على البحث وتشبثه بأهداب (تيوتونيته) وتماديه في التغني بألمانيته، إن عمد إلى البحث في جنسية المسيح، فجعل يثبت أن المسيح لم ينشأ في بني إسرائيل ولا سكن في ديارهم، وإليك ما يقول في ذلك بتلك السذاجة العلمية المتفشية في نواحي كتابه المتجلية في كل سطوره وسلاسله.

كل من يدعي أن المسيح كان إسرائيلياً إما أن يكون جاهلاً وإما خائناً أرميه بالجهل لأنه يخلط بين الدين والجنس، وأقرفه بالخيانة لأنه يعرف تاريخ غاليليه. . . ليس ثمة ريب في أن المسيح لم يكن إسرائيلياً ولا جرت في عروقه قطرة واحدة من الدم الإسرائيلي الخالص العبيط - فإلى أي شعب ترى المسيح يمت. .؟ ليس من جواب على هذا. .

وطفق تشمبرلن بعد هذا يتيه فيب شعاب الظن ويمرح في أودية الحدس فيقول لعل المسيح كان رحالة من الآشوريين، حتى إذا لم يقتنع بنتيجته هذه ولي وجهة شطر المغرب فقال أم لعله من الإغريق، وإنك لتعجب للرجل كيف تراه عمي عن ملمس الحق وعشى بصره أمام وضح الصدق فخرج من كتابه الضخم ولم يهتد إلى غاية ولم يقف عند نتيجة ترضيه.

على أن ألمانيا كانت أعظم من تشمبرلن وأصبر منه على التخريج وأطول منه نفساً في البحث، فما لبثت أن أخرجت من كشف لها المجاهل التي عجز عنها تشمبرلن وحسر