للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وخواطره، والفيلسوف لا تسمو نفسه عن أن يماشي السكير لكي يدرس طبائعه وعوارضه، والبحاثة العالم لا يترفع عن أن يصحب السوقة ليكون مادة له في بحثه وتفكيره، والناس كلهم طلاب معرفة، وأشدهم في طلب المعرفة نوابغهم، لأن المعرفة، في التعريف الفلسفي، هي ضرب من القوة.

هذا ولقد كانت الإرادة القوية عاملاً من أكبر العوامل في تطور العالم وارتقائه، وازدياد وسائل المدنية وأساليبها ومستلزماتها، فهي التي رفعت الإنسانية من ظلمة الخمول وحمأة الانحطاط، هي كشفت العالم الجديد، وفتحت مجاهل العالم القديم، وظهرت على متن العالم الجليد هي ذللت الكيمياء الحديثة وأحماضها، وهي أخرجت مكتشفات الطب الجديد وجراثيمه وأدويته ومضاداته، وهي اخترعت عجائب الطيران ومدهشاته.

ولا أحسب الرجل الذي يحاول اختراق الطريق مسرعاً فتدهمه العجلات وكان يعجز عن بلوغ الجانب الآخر، لو لم تتعطل فيه قوة إرادته، فعطلت فيه قوة ساقيه، ألا ترى اللص الهادئ، يعدو والشرطي في أثره، وإذا به قد وقف بغتة عن عدوه، وكان سابقاً الشرطي بالمسافة البعيدة، ذلك لأن قوة الإرادة فيه قد اضطربت، فاضطرب لها مجموع جسمه.

إن أمام الإرادة القوية الوثابة لا تتطاول صعاب الأمور وعسيراتها ولا تستكبر عظائم الخطوب وجليلاتها، بل أن اجتياز نابوليون هضاب الألب وجباله، وثلوجه وشعابه، هو الذي علمه أن يقول أن كلمة مستحيل ليست في اللغة!.