للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

إليه وتناقلت طبقات الأمة هذه الحملات ولم يبق في ألمانيا كلها من يجهل أمرها غير رجل واحد، هو غليوم.

فرأى ولي العهد أن وطنيته الحارة وإخلاصه البنوي يحتمان عليه أن ينهي إلى أبيه هذه الحقائق المرة وإن كانت سيئة الموقع ويقضيان عليه أن يسترعي إليها أنظار الأمبراطور وإن كانت ستغضبه وتثير حتفه، وكان من إخلاص هذا الشاب أن حكم على البرنس يولبرج والكونت فون مولتكي ووقع الرأي العام في هذين البلاطيين الكبيرين، ولم يكن فعل ولي العهد ليؤمنه من سخط الشعب وموجدته عليه، ولكن لم يحدث شيء من ذلك، بل حمل له الناس في قلوبهم يداً كبيرة، وصنيعاً مشكوراً.

ولم يلبث غليوم أن أشرك ابنه في أمره، وأعطاه للمرة الأولى حق إمضاء أوراق الحكومة وتقاريرها، بالنيابة عنه.

ثم جاءت مسألة أغادير والأزمة المراكشية عام ١٩١١، فتجلت كذلك شخصية ولي العهد في أسمى جلالها، وظهرت روح استقلاله بأبدع مظاهرها، هذا وقد انعقد مجلس الريشتاغ وأخذ الندي يتباحثون ويتمارون في الخطة الضعيفة التي سارت الحكومة عليها في تلك الأزمة فقام زعيم المحافظين وخطيب الحربيين، فون هايد براند، وجعل يسلق الدكتور بتمان هولوج المستشار الإمبراطوري بألسنة حداد ويعيب عليه سلوكه في مسألة مراكش ويهجم عليه بالنقد المر والاحتجاج القارس الشديد وكان ولي العهد حاضراً المجلس في حجرته الخصيصة به، وكان يسمع خطبة الخطيب ويصغي إلى نقده، وقد وقع كلامه في قلبه موزقع الإعجاب، وجعل يصفق على أعين الجمع المزدحم وأسماعه لكل كلمة حادة يقولها ذلك الرجل العظيم الملقب بملك بروسيا اللامتوج فكان عمل ولي العهد هذا خروجاً صريحاً على سياسة أبيه وتمرداً بحتاً على حكومته، ولم يكن من المستشار بعد سكوت هايد براند عن القول إلا أن اكتفى بالرد عليه بكلمة واحدة وهي أن هايد براند جندي يحمل سيفه في فمه، فكأنما بتمان كان يريد بذلك وريث العرش، ولكن ولي العهد لم يستطع أن يمسك عليه عواطف الوطنية الحارة الجائشة في حنايا أضلعه الفوارة في أعماق صدره، وترك الريشستاغ وله في جوانح الأمة أكبر الأثر.

وقد أظهر الشاب في كل أدوار حياته هذا المزاج الحاد والذهن المبتكر والشجاعة المتناهية،