للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

نطاق التقدم البحري، والإكثار من حشد الأساطيل.

ولد بعيداً عن البحر وشواطئه من أبوين فقيرين خاملين، فلم يكن في منشئه ولا في مظهره ما ينبئ عن أمير للبحرية وزعيم في السياسة، فلما كان في السادسة عشرة بعد الفراغ من المدرسة وتعليمها دخل تلميذاً متطوعاً في البحرية البروسية، وكانت يومذاك لا تتألف إلا من عدة سفائن صغيرة فلم يلبث غير أربعة أعوام حتى نال رتبة الملازم، ولما ناهز الخامسة والعشرين ظفر برتبة القائد البسيط، وفي هذا الموطن الصغير كان أول ما ظهر من مقدرة تيربتز المدهشة على الابتكار، وبوادر ما تجلى من عبقريته في سيطرة آرائه ومبادئه على آراء من فوقه ومن دونه، وفي هذا الموطن بدأ ذلك النبوغ العملي الذي كان الحجر الأساسي لحياته المقبلة ومنذ ذلك اليوم وهو قد اعتاد أن يمعن في التفكير والابتكار وسبق زملائه في البحرية وغير البحرية بسديد الآراء. وناضج الفكر، فكان يكتسب بذلك قلوب أشياع كثيرين، ويسحر الباب عصبة ليست بالقليلة، حتى لكأنما قد خلق هذا الرجل بطبيعته قائداً ومبتكراً، ولعل السبب الأكبر الذي جعل أزكى الرجال وأخصب الأذهان تلتف حوله وتقبل عليه يرجع إلى تمرده على الآداب البروسية القديمة، والتقاليد الحربية العتيقة، ونعني بها احترام السن وتبجيل الكبار، وكانا يريدان أن يسودا بين رجال البحرية وموظفيها، ولذلك سن قانوناً جديداً، هو أن الجدارة والأهلية هما الخليقان دون غيرهما بالاحترام والإكبار.

وجاءت سنة ١٨٩١ فخطا تيربتز بكفاءته إلى رئاسة محطة كيبل البحرية، وكانت كيبل مريض الأساطيل الألمانية ومثواها. وهناك سنحت له الفرص لإظهار براعته وقوة ابتداعه، فاهتم أول أمره بإنشاء النسافات وتحسينها والتمشي بها نحو الكمال، وإن قوة ألمانيا المعترف بها في هذا الفرع من البحرية هي نتاج دأب تيربتز ومهارته.

ولم يكن صعود الرجل من سطح السفينة إلى مقعد الوزارة لينجيه من مطاعن المنافسين والحاقدين، ولم يكن ليجعله بندوة من نقد الناقدين وشتم الشاتمين، ولكن فون تيرينز كان فوق الشتائم وفوق المطاعن فلم تنل منه شيئاً، بل كان يلقب بين رجال البحرية بالسيد.

وكان فون تيربتز لا يبرح ينظر إلى المستقبل بتلك العين الذكية الوقادة، فما كاد ينتهي من ذلك العمل الشاق العظيم، وهو تنظيم إدارة البحرية، واختيار الأذكياء والنوابغ لها، حتى