للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

ومن مطالب النوم أيضاً طاعتك العمياء للحكومة وتحبيذها وتقديسها سواء أكانت قويمة أم عوجاء، صحيحة أم عرجاء، وماذا يجدي سهرك وطول تفكيرك إذا آثرت السلطة أن تسعى على رجلين عوجاوين، وقدمين عرجاوين؟.

وعندي أن الذي يسوق النوم إلى المرعي الأخضر الخصيب هو أكيس الرعاة وأحزمهم، على أن هذا من مستلزمات النوم.

لست أطلب الثراء الطائل ولا المجد المؤثل فإنهما من مهجيات الخاطر، غير أني أكره أن أعير جنبي الفراش وأنا بعد مجرد من طيب السمعة صفر من المال.

لا أحب خلو الدار من الضيوف، وللقليل من هؤلاء أحب إلى من كثرتهم، واشتراطي - بعد - أن يكون قدومهم وذهابهم في الأوان الموافق وإلا نغصوا على نومي.

هذا وضعاف الأحلام من هؤلاء الجلساء أشهى إلى من أولى الألباب ووقدة الذكاء إذ كانوا أجلب للنوم، بارك الله فيهم إنهم المسكنون لثائرة الذهن المنيمون هياج الأعصاب ولا سيما حين يتلقي أحدنا كلامهم بالموافقة، ويستقبل قولهم بالمطابقة. ط

كذلك يمر نهار الأخيار، ويختم يوم الأبرار، فإذا جن الليل تراني أحاذر أن أدعو النوم، لأن من خصال النوم أنه لا يحب أن يدعى.

ولكني أعرض على ضمير سجل يومي وأجيل نظري في صحيفة نهاري لا نظر ما أخذت وأعطيت وما صنعت وتركت، وما نفذت وفكرت. ثم أسرد تلك الأعمال والأفكار على مقلة النقد والتبصر كما تجتر البهيمة ما استودعته أمعاءها من الغذاء أثناء رعيها فأسائل نفسي:

ماذا كانت عشر غزواتك لنفسك؟ وماذا كانت عشر مسالماتك لها؟ وماذا كانت العشر الحقائق التي استنبطت؟ وماذا كانت العشر الضحكات التي سليت بها نفسك.

فبينما أنا وسط هذه الخواطر الأربعين تديرني وتقلبني إذا بالنوم يدهمني بغتة غير مدعو ولا منتظر.

ثم ماذا يصنع؟ ينقر على جفني خفيفاً فيثقل جفني ثم يلمس فمي فأبقي فاغراً فمي.

أجل يمشي النوم إلى الضراء. ويسري إلى في خفاء. يدب إلى هذا اللص المعشوق والسارق المحبوب فينهب أفكاري ويستلب لبي. فإذا أنا مفقود الحركة أشد تبلداً من الجماد. (انتهى كلام الفيلسوف).