للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

[الفكاهات والملح]

التطفيل

سئل رجل أي الشراب ألذ فقال ما لم تبذل فيه درهما. وكم في الناس مثل هذا الرجل ممن تتنازعه الرغبة من جهة والبخل من جهة وكلم فيهم الفقير الذي تدفعه الشهوة إلى ما في أيدي الغير ثم لا يزعه حياء ولا تردعه عفة.

قال رجل لآخر أراد سفراً إن لكل رفقة كلباً يشركهم في فضلة الزاد فإن استطعت أن لا تكون كلب الرفاق فافعل.

على أني طالما عجبت ورأيت الناس يعجبون للبخيل الشحيح أو المسكين العديم الكسب كيف تراه حسن الجال يروح ويغدو بظاهر كالمرآة مجلو وباطن كالمخلاة مشو وكيف يحتال إلى معاشرة الأغنياء ويتلطف حتى يخلص إلى موائدهم ويفضي إلى عقد أكياسهم فلعلها صناعة دقيقة ومطلب عويص وسر لم يهتد إليه إلا القليلون من ذوي الحذق والذكاء. فكم من أناس حاولوا هذه الغاية فأخفقوا وأناس نجحوا في بادئ أمرهم فاستولوا على عدد عظيم من موائد الأغنياء ثم أدبر أمرهم وذهبت ريحهم فجعلت تلك الموائد تنفلت من أيديهم واحدة واحدة حتى أشفقوا على موائدهم العارية أن تزول وأصبحوا في الفقر وقلة الخير ينوحون على ما كانوا فيه من الكثرة والنعيم.

ولا أعلم في الطفيليين من هو أشد جرأة وأكبر أمنية من الأديب الذي يحسب أن منزلته من الأدب شفيع له عند صاحب المال وأنه يدفع من مجونه وأدبه ثمن ما يتناول من طعام الغني وذهبه بل لقد تبلغ من قحة ذلك الأديب أنه يشفع التسول بالكبرياء والتكفف بالتيه والخيلاء حتى كان له على الأغنياء حقاً يبغيه وديناً يقتضيه يفعل الأديب المتطفل ذلك مع من يستطيع خدعه من المنتسبين إلى الأدب فينزل نفسه منهم منزلة الأستاذ من الطالب ولكن هؤلاء قليلون فأما معظم أهل الترف من أعداء العلم والأدب الذين لا يميزون بين الشعر والشعير ولا يفرقون بين المعارف والمغارف فلا يجرأ المتطفل الأديب أن يبدي لهم حركة تنم إلا عن تأدب وخشوع وتواضع وخضوع.

وصناعة التطفيل فن دقيق كما قدمنا قد ينال جزء منه بالمزاولة ولكن لا ينبغ فيه إلا من خلقه الله طفيلياً بالفطرة وللفن قواعد كثيرة أهمها.