للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وأحشاء مطمئنة ثم نعتق الفؤاد من رق التوجع لهذا القضاء وننفي عن ساحة الصدر ما عساه ينتابها لذلك من الهموم. وفي هذا بيان جانب من علة حدوث ما يسميه الناس (سرور المشنقة) أعني ما يعتري بعض المجرمين أحياناً من الابتهاج أثناء أخذه إلى مكان الإعدام. وهذه حقيقة لا يطعن فيها لتواتر شهادة الثقاة بصحتها فخاطب الموت يهتدي إلى التوفيق بين نفسه وبين الهلاك متى تشبع باعتقاد أنه قضاء بلا مفر منه.

وفرط قوة الأمل في الإنسان أنصع دليل كذلك على أنه متفائل لا متشائم. وهل تحسب أنه كان يوجد في الناس من يجرأ على الاشتغال بأية حرفة لولا ما ركب فينا من التفاول. وبيان ذلك أن السابقين المتفوقين في جميع الحرف والصناعات هم الشواذ النوادر. فالمرتقي إلى رتبة القيادة في الجيش واحد في المائة والمعتلي إلى منزلة الرآسة في الطلب واحد في المائتين أما الباقون فينبذون في زوايا الإهمال ويطرحون في ظلمات الخمول وغالباً ما يذوقون مرارة الأملاق والفقر وهكذا لا يزالون يصيبون من صناعاتهم محنها وآفاتها ويخطئون منها نعمها ومسارها حتى يغشاهم الموت. ومع ذلك فإن أحدنا إذا جلس يفكر في اتخاذ مهنة لم يخطر بباله شيء من آفاتها وسواتها ولم يدر بخلده حالات الخبيثة والتأخر وعددها كما قلنا تسع وتسعون أو مائة وتسع وتسعون بل كان ما يراه في المهنة المختارة هو الحالة الفردة الشاذة فيعتقد أنه لا محالة بالغها ولو كان الوصول إليها هو مما يراه الفطن اللبيب من أبعد الأشياء احتمالاً. وتلك هي حالنا في كل ما نحاول من المسائل. فإنه بالرغم من أن المآكل قد يكون للخيبة وقد يكون للنجاح بل ربما كانت الخيبة أشد احتمالاً ترانا مع ذلك نهجم على الأمر واثقين بالفوز. وإن العامل الذي يطرد من صدورنا وساوس الريب وينفي عن ضمائرنا هواجس الشك ويسبل الستار على النوافذ التي ربما شوهد من خلالها آفات المشروع ويعلق على الحائط صورة النجاح البعيدة الاحتمال، هذا العامل هو التفاؤل.

ولا يفوت القارئ أن ما قد ذكرناه من الثقة بالنجاح أمر مقصود على أغراضنا الذاتية وغاياتنا الشخصية فإذا وقفنا موقف المستشار الناصح لغيره في أمر اشتغاله بمهنة أو صناعة أو الحكم على مستقبله في عمل من الأعمال إذن لرأيتنا نستفرغ الجهد في درس المسألة درس دقيقاً ورأيت منا حذقاً عظيماً في استكشاف ما هنالك من العقبات والعراقيل