للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

صديقه قد ترك له كل متاعه، ليرعاك أن وطيوري وأنعامي وكلبي متاعه. .!. . يا الله. . . وهل كان أكبر فخره إلا أن يبذل كل متاعه، وأن لا يبقي على رفوف خزانته طعاماً ولا رزقاً. . ولقد كانت عنده فضلة من المال فصرفها درهماً بعد درهم في مطعمه وشرابه، وفي وجوه خير وإحسان يعرف الله خبرها. . ومنذ تعثر في علته الكبرى وهو ينفق كل ماله على الناس وحياته يا سيدي وروحه. . وها هو قد ظفر آخر أمره بالموت. . فقلت في أثرها. . . نعم. . . وبالسماء!.

وصعدت سلم البيت

وكانت الحجرة مقفرة خالية مظلمة، وليس فيها إلا شمعتان ضئيلتان، وقد ازدحمت فوق جبين الميت أشعتهما الرهيبة المحزنة وضياء المساء المتورد الذهبي وهو ينفذ من خلال تضاعيف النافذة، وكأنما يتقاتل عليها في عذاب الموت البريء الطاهر، نور الأمل الخالد وظلمة ليل الحياة الفانية. . .

وعثر صديق جوسلان على هدى خادمته مارتا في مخزن الكنيسة ببقايا مذكرات كتبها بقلمه القسيس الراحل، فنظمها ورتبها في الصفحات الآتية، وإن كان يتخللها صفحات بيضاء ضائعة.

العصر الأول

جوسلان الآن في السادسة عشر، وقد أحس في أعماق نفسه ببوادر الحب وطلائعه. . ولكنه لم يلبث أن علم أن أخته ستضطر إلى الامتناع عن الزواج ممن تحب لأن نصيبها من ميراث أبويها لم يكن ليكفل لها مهراً طيباً مقبولاً، وقد اهتاجت هذه الفكرة روح جوسلان، وكبرت في عينه فأجمع على تضحية نفسه ونصيبه من مال أبيه في سبيل هناء أخته. . .

١٨ مايو سنة ١٧٨٦

هذا ما قلته اليوم لوالدتي - أماه. . إني أحس كأن الله يدعوني إليه ويستقدمني. . . أن التقوى العظيمة والإيمان الحي العميق، والظمأ الطاهر المقدس، إلى مناعم العالم الأقوم الأبقى، وهي التي اغتذيت منك طفلاً، أدرج في حجرك، وأرتع عند ركبتيك، قد بدأت يا أماه تخرج اليوم ثمرها، وإن كان ثمراً مريراً يا والدتي في فمك. . مريراً لشبيبتي