للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وصبابتي، ولكن ما أعذبه على الروح، وما أسوغه وأبرده. . . أن ظل المعابد يستهويني إليه ويجتذبني، أريد أن أقف لله، وأنا في طراوة العمر، أيامي الآتية الذاهبة الفانية، كما توقف الآنية المطهرة لحياض المذبح، ليس في هذا العالم الأرضي ما يخدعني، وليس في الأرض ما يغريني، إني لا أريد أن أضرب خبائي في هذا الريح الأهوج الفاسد، ولا أريد أن ألطخ قدمي في مناكب الأرض وسيلها، حيث ترتطم القطعان الإنسانية وتنحدر. . . بل أني أؤثر يا أماه أن أنحرف عن منافذ هذه الدنيا فأتبع إذا أسفر الصبح طريقي الساكن الجبلي الموحش القفر، أوثر أن أجلس إلى ظلال جدران الهيكل، وأفياء أبنية المعبد، وأن أخلص بنفسي منذ شبابي الناضر إلى حضرة الله وقربه. . . إني أحس أنني لم أخلق لزحمة هذه الحياة وصراعها، حيث الناس يصرخون على مطالب العيش ويصطخبون ويتقاتلون. . إني أحمل روحاً لا نستطيع أن تقف هنيهة في ساحة هذه الحرب المتوحشة المخيفة، نفساً مفعمة بالحنان، وقلباً لا يدفع إلا نفساً صاعداً راجعاً، إني ولا ريب سأخرج من هذه الحرب قتيلاً، إن رفيقاً رحيماً، وإن متكبراً مزهواً عزيزاً، من النصر أن فائزاً منصوراً، ومن الهزيمة أن منهزماً مدحوراً. . أن العالم يا أماه ليس إلا مقامرة، وليست الحياة إلا مادة هذه المقامرة ولعبتها، وما أنا مستطيع أن أضع شيئاً فوق مائدتها ما أثقل عبء الحياة. . وما أشق رحلتها، وما أغلظ سفرتها وشقتها. . فخير لنا أن نقطعها مخفين من المتاع. . من الأحمال والأوزار، من الهموم والأطماع، ومن روابط الحب، وأواصر الحياة المتفككة الرثيثة الواهنة، من الأولاد والأعقاب، ومن المصائب والويلات والأحزان. . وإذن فأية طريق إلى وجه الله نأخذ، وأية سبيل إلى سمائه نصعد، فنحن إليه يومذاك أقرب وأسبق وإذا نحن توسدنا فراش التراب، واضطجعنا في أحضان القبر، فلا هم يجري في أثرنا، ولا عبرة تراق عند رحيلنا، أواه. . . لا ترفضي يا أماه أنشدك الله توسلاتي، ولا تمنعيني آمالي وأمنياتي، فأنت يوماً، لو تبصرت، مزهوة بتلك اللفظة التي تبدو لك اليوم وداعاً محزناً، وفراقاً شجياً مبكياً، وماذا أنت ترجين من الخير للطفل الذي يتضرع إليك الآن ويبتهل، إلا أن يكون السلام في الأرض مرتعه، والسموات العلي موطنه ومرجعه. . يا للرحمن. . حقير اسم المتعبد. . . وضيع لقب المتزهد!. . . أواه. . . لا تخجلي أماه منه ولا تأنفي فليس في الأرض أنبل منه اسماً، ولا أعز لقباً، إن الله الذي