للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الصين وبالزواج من نساء مملكته، وليس في هذه المحالفة التي قامت بين الخليفة العباسي في بغداد وبين عاهل الصين ما يلوح لأول وهلة من الدهشة والغرابة فقد كانت حدود دولة العرب قد صارت على مسافة غير بعيدة من حدود دولة الصين، إذ كان قتيبة بن مسلم قد اجتاز - وذلك في القرن الأول من الهجرة - نهر جيحون وفتح بخارى وسمرقند وجاوزهما إلى كشغر وغيرها حتى دانى تخوم الصين، وإذ ذاك أرسل نفراً من كبار رجاله إلى الإمبراطور الصيني يعرض عليه ود الخليفة وأمانه، ويخيره بين دفع الجزية عن يد وهو صاغر، وبين السيف والنار وحرق المدائن وقتل لرجال وسبي النساء والأطفال، وقد رفع قتيبة بهذه الرسالة الجريئة الدهشة إلى بُرُده في هدوء العربي ورباطة جأشه، فلما نزلوا على الملك أدهشه لباسهم وملامحهم وأخذت بلبه جرأتهم وفخامة كلامهم فتلقاهم أحسن اللقاء وأغدق عليهم الرتب والألقاب ونزل على دفع الجزية إلى الخليفة ومنذ ذلك اليوم والخليفة وحليفه على أحسن الود وأطيب السلم، يتهاديان الهدايا يتوادان بالتحف والنفائس، ولقد كان الباعث على هذه المحالفة بين هذين الأمير بن المتباعدين ما كان يحدق بدولة كل منهما من غوائل عدوهما المشترك وهم أهل تبيت وغاراتهم على حدود الدولتين.

وكذلك أخذ المسلمون يزدادون في الصين ويتكاثرون وزادهم عدداً من كانوا يرحلون إليهم لو إذا من أهل التتر، بعد أن ثار جنكيز خان في الشرق ثورته، ولم يكونوا بحاجة إلى الامتزاج بأي عنصر غير عنصرهم، إذ كانوا في نماء وتناسل مستمرين، وكانوا يتسرون السراري من نساء الصين، ولم يقتصروا في الإكثار من عددهم على ذلك بل كانوا يشترون أطفال الأهلين في زمان القحط والمجاعات والجدب فيدخلونهم في زمرتهم ويقومون على تربيتهم وتهذيبهم وتزويجهم إذا بلغوا حُلُمَهم، حتى كان لهم بعد زمان قرى عديدة من هؤلاء الذين كانوا يشترونهم أطفالاً، وظلوا كذلك أربعة قرون وهم محسودون من الأهلين على نفوذهم وثرائهم.

يقول دي تير سانت في كتابه الإسلام والصين، ولم يلبثوا أن أخذوا يفقدون طبائع وجوههم وأجسامهم التي كانت تميزهم عن أهل الصين في أول عهدهم بتلك المملكة، وكذلك خرج منهم جيل مخالف في شكله وهيأته لأهل الصين وليس عليه كذلك سمات العرب الأقحاح الأصليين فمسلمو الصين اليوم خفاف الأجسام صلابها أرفع قامة من الصينين الأصليين