للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأضخم منهم خلقة وأصلب منهم أعصاباً ولهم عيون أهل الصين وإن اختلفت عنها في حدة بصرها، ونساؤهم أصغر منهم جسوماً مكتملات النهود دقيقات الأرجل، يتبعن في ذلك عادات نساء الصين في تصغير أرجلهن، والمسلمون أقرب في ألوان بشرتهم إلى البياض والسمرة من صفرة أهل الصين وشعورهم على الأكثر سوداء، وإن كنت قد تلتقي من بينهم بشعور صفراء.

أما عن أخلاقهم فهم أودع من الصينيين وأنعم آداباً وأقرب إلى الصدق منهم، وهم في التجارة أمناء لا ظل للخيانة على معاملاتهم، وهم إذا ارتفعوا إلى منصات القضاء عدول لا يظلمون ولا يتحيزون، وموقرون مبجلون، وهم بطبيعتهم أنشط وأخف إلى العمل، ويؤثرون القتال والتجارة على الصناعة والأدب، وليسوا من المتعصبين بل إنهم ليعدون في التسامح إلى أقصى حدوده فيتركون من سنن الدين ما يغضب أهل الصين أو يصطدم مع أفكارهم وعاداتهم، وهم يعيشون معاً مؤتلفين متضامنين كأهل العشيرة الواحدة، يدافعون بعضهم عن بعض ويحسنون إلى فقرائهم وهم بطبيعة الحال مضطرون إلى أن ينزلوا في بعض الأمور على قوانين البلاد وأن يستمسكوا في غيرها بشرائع الإسلام بعد أن يتمشوا بها كما تتطلبه أديان المملكة وعاداتها، فإن قانون الزواج في الصين لا يعسف المسلمين هناك ولا يرهقهم لأن على المسلم أن يتخذ زوجة واحدة ولكنه يستطيع أن يتسرى - وذلك بعد استئذان الزوجة - بعدد من السراري والإماء، وهن يعملن في الدار كجوار للزوجة ووصائف، ومن أغرب الحقائق أن الزوجة هي التي تستحث الزوج في أغلب الأحيان على تسري السراري واتخاذ الإماء، وذلك لأنها إما تكون عقيماً وأما لأنها تريد أن تزيد في حاشيتها ووصائفها.

وقد انتشر الإسلام في الصين انتشاراً لم يظفر به دين آخر غريب في تلك البلاد إلا الديانة البوذية، وليس ذلك يرجع إلى شيء من المقاربة والمماثلة بين الإسلام وأديان الصين كما كان يقول ملوكهم في أوامرهم وقراراتهم إذا أرادوا أن يرسلوا السكينة والود والهدوء بين المسلمين وبين أهل مملكتهم، ولكن لأن المسلمين هناك فهموا واجب الأقلية إزاء الأكثرية، وإنك لتندهش إذ تسمع بأن مسلمي الصين استطاعوا أن ينزلوا عن بعض شعائرهم ويتمشوا مع عادات الوسط الذين يعيشون بين ظهرانيه ويرضوا بآدابه ومصطلحاته