للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقوانينه فهم لم يقتصروا على الأخذ بعادات الصين بل أخذوا كذلك عنها زياها ولباسها وتخلوا عن شيء من عصبيتهم فعاشوا بينهم على محض الحب والسلام والرخاء وأنهم ليشتركون في أعيادهم ومحافلهم ويسلكون سلوك الصينيين بل هم خير منهم في ذلك وأنعم أخلاقاً، وهم يتجنبون بكل حزم وحكمة كل ما يغضب الأهلين كطوال المآذن مثلاً.

وقد كانت هذه الطاعة وهذا الإخلاص مدعاة إلى معاملتهم بالحسنى واللين والعرف من ناحية الإمبراطرة - يوم كانت الصين إمبراطورية - وأنك لتلتقي في كل قرارات هؤلاء الامبراطرة وأوامرهم ومنشوراتهم إلى الشعب الصيني بعبارات رفيقة تحث الأهلين على الترفق بالمسلمين والتحبب إليهم وملاينتهم وملابستهم والعمل على الإحسان إليهم واستتباب السلم والسكينة بين الأهلين وبينهم.

وأما المشاحنات والمقاتلات والمذابح والثورات التي قامت في خلال القرن الماضي بين المسلمين وبين الصينيين فلم تكن للسلطات العليا في حكومة الصين يد في فيها، ولم تكن هي الباعثة عليها، وإنما هم الموظفون الأصاغر الذين كانوا يوقدون نارها، لأنهم كانوا يكرهون المسلمين وينفسون عليهم حب الحكومة، ولقد كانت نخوة العرب وحميتهم وتمردهم على الضيم والذل وإباؤهم المختفي في أرواح هؤلاء المسلمين أخلافهم وورثتهم، تدفع مسلمي الصين إلى مقابلة الأذاة بمثلها والمذبحة بأشد منها، فكانت المشاجرة التافهة بين الأفراد لا تلبث أن تسوق إلى المذابح المخيفة الموحشة بين الفريقين ففي سنة ١٨٦٠ مثلاً قامت مذبحة كبرى في مدينة كبوتشو ذبح فيها مسلمو المدينة عن آخرهم، ولم يكن الباعث على ذلك إلا قضية شخصية بين أسرة مسلمة وبين أسرة كونفوشيوسية، فلما رأى مسلمو المدينة المجاورة لكيوتشو ما فعل الأهلون بشركائهم في الدين أغاروا على المدينة فذبحوا من سكانها الوطنيين خلائق كثيرة حتى لقد امتلأت الطرق بجثث الموتى وأشلاء الهلكى والقتلى والجرحى فكانوا يحملونها أكواماً وركاماً واختلطت الجرحى بالقتلى فقضت نحبها دون أن يحس بأمرها، وكان من هذه المذبحة أن جاءت في آثارها بمجاعة كانت أشد منها هولاً، فكان الناس يأكلون لحمان البشر ولم يكن يجسر رجل من الفريقين أن يخرج وحده ويبعد في الطريق مخافة أن ينقض عليه الجائعون فيلتهموه التهاماً، وكان أكبر حظ الرجل منهم أن يقع على جثة إنسان فيأخذها إلى مكان قصي وهناك يقطعها إرباً ثم يجففها