للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

ويطلبون فيها اللهو والمسرة والمراح، نجدهم في دور الأوبرا والمراقص ومسارح الغناء لا يصفقون إلا للشهوى من الأغنيات، والمهيج من الأناشيد، والعارية من الراقصات، والمومس من المغنيات، ولا يضجون بالمديح والإعجاب إلا للرواية السخيفة الغرض، والقطعة التمثيلية البلهاء القذرة العفنة، ولا تؤثر الموسيقى في أعصاب أحدهم إلا إذا اختلطت نغمات الأوتار كلها وامتزجت أصواتها، فاستحالت زوبعة من النغم صخابة داوية، ولا غرض له من اللهو ولا مأرب إلا أن تهتاج أعصابه، وتتبعه حيوانيته، ويستعيد في منتصف الليل شبابه ونشاطه وقوته.

وأعمد بعد ذلك إلى تصفح الكتب التي يطالعها سواد الجمهور بطبقاته ومراتبه ليجد فيها مسرته وتهذيبه فإنك ولا ريب ستحمي أنفك أن تؤذي من هذه الرائحة المستنكرة الدفرة التي تتصاعد منها، إذ لست واجداً غير كتب فاسدة عن النساء والعلاقة الجنسية بين الرجل والمرأة، وعن اللصوصية وغرائبها والشرطة وأسرارها، وحوادث الزنا ووقائعه، والكتاب الذي يريد أن يكون محبوباً من الجمهور، جارياً مع روح العصر، متمشياً مع مودة الجيل، يجب أن يكون قبل كل شيء حيوانياً والجمهور يميل إلى الأقاصيص، على شريطة أن تطبع بطابع العلوم العصرية، كالتنويم المغناطيسي ومناجاة الأرواح، واستحضار الموتى، وأصابع اليد، والحركة في النوم، وقراء الكتب ينتشون اليوم من الشعر الرمزي المظلم المختنق بالاستعارات والرموز والكنايات والمجازات، وإن لم ينطو تحت هذا شيء من الغرض الشريف، أو مسحة من المعنى النبيل فإذا خرج من بين هذه العاصفة الكتابية كتاب فلسفي ممتع، عليه كل ظواهر الصحة والقوة والسلامة، أو رسالة نقية الروح، كبيرة المقصد، أو ديوان شعر حار القصيد، ملتهب الشاعرية، جديد المنحى، فلا يكون نصيبها إلا البقاء فوق رفوف المكاتب، وفي مخازن المطابع، وفي بيوت أصحابها، وعند طائفة معدودة من المهذبين، ومن ثم كان الأصحاء المبدعون من الكتاب والأدباء والشعراء لا يجدون من الإقبال والمكانة والرواج ما يجده السخفاء والزمني والحمقى والأدعياء، وليس ذلك إلا أكبر دليل على أن أعصابنا وأذهاننا لا تقبل إلا السخيف والحيواني والغامض والمظلم والبليد.

وصف المرض وأسبابه

أما وقد وصفنا لك طائفة من الوجوه التي تلتمس فيها أعراض آخر زمن ومظاهره، فنحن