للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وكوخ ورونتجن وليستر وجنر مساي، نحن نبتهج بأن الإنكليز أعطتنا شكسبير، وأن الألمان وهبونا جوت، نحن نتهذب بأذهان شيللر وهايني وشوبنهور وكانت ونيتشه وواجنر الألمانيين ونحن نسمو بعقول هوبز ولوك وجبون وكارليل وديكنز وولز وبرنارد شو.

نعم لا يسع الانكليز إلا احترام الألمان وليس في أعماق قلوب الألمان إلا احترام الانكليز، وإن كل منهما يريد أن يفترس الآخر ويرديه، ذلك لأن مدنية كل منهما تمس الأخرى وتلاحقها وتتشبث بها والمدينتان في كل فروع الحياة والآداب متداخلتان متلازمتان، فإن أرنست هيكل الألماني هو وليد دارون وخريج وُلّلس وجوت وشيلر ابنا شكسبير، وهكسلي وجالتون ولييل وفراداي ودالتون وهامفري دافي هم الذين أنتجوا أكبر علماء ألمانيا وكيماوييها وحشرييها وبيولوجييها، وانجلترا استفادت من ألمانيا كذلك أكبر أساتذتها وجبابرة عقولها في السياسة والمال والجغرافية والهندسة والطب والفلك واللغة وغيرها، فإن آل بارنج - ومنهم لورد كرومروهو من أكبر أقطاب السياسة في الغرب - يمتون إلى أصل ألماني، وكذلك روتشلد أكبر ماليي هذا العصر وأرنست كاسل المحسن المالي العظيم وسر ويليم هرشلي الفلكي الكبير وماكس موللر المستشرق الفيلولوجي الذائع الصيت وسير موريس دي بونزن سفير انجلترا في برلين قد نزلوا جميعاً من سلالة ألمانية، وكثيرون غيرهم يخطئهم الحصر والعد قد أفادوا انجلترا أكبر الفائدة في الاكتشافات الجغرافية وفي البيولوجيا وفي التصوير والموسيقي والصحافة والمصارف والتشريع والجندية والبحرية، وكانوا من الألمان دماء، وإن كانوا من الانكليز جنسية وموطناً.

ولقد كان العالم الإنساني قبل نصف قرن الماضي يغتبط بالألمان ويبتهج بألمانية جوت وشيللر وهيجل وكَنْت وشوبنهور، لأنها كانت ألمانية إنسانية رفيقة صامتة حلوة وديعة تعمل للعالم في هدوء وتلقى بنظرياتها وفلسفاتها وعلومها وآدابها بين أهل الأرض، وهي في لباس الأستاذ الهادئ الحدب المخلد إلى العزلة العلمية المطربة، وهي في بردة لافوازييه وهو يحنو على الدرس العلمي في مكتبه، وضوضاء الثورة الكبرى ضاجة في الفضاء صخابة متعالية، ولكن حرب السبعين جاءت فأسكرت ألمانيا وأثارت عزتها وزهوها فماتت ألمانية كَنْت وشوبنهور، وطلعت ألمانيا الصخابة المزهوة المتعاظمة، نظرت إلى حاضرها ثم التفتت إلى ماضيها فرأت كل شيء أمامها بهيجاً، حاضر المنتصر الثمل وماضي