للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

قال بكويك بكل سكينة وتؤدة (بلا شك يا سيدتي بلا شك - ولكن اسمحي لي أن أبدي لك عظيم أسفي واستيائي يا سيدتي - وهنا ظهر خارج السرير - لما سببته لك عن غير قصد من هذا الرعب والأسى.

لم تفه السيدة بشيء ولكنها أومأت بإصبعها نحو الباب في هذه الظروف الحرجة لم تخن المستر بريك مزاياه الجليلة من رقة الآداب ومعرفة واجبات التحية والتسليم فرغماً من أنه كان في هذه اللحظة يسير حافي القدمين حاملاً خفيه في يده مع الجوربين واضعاً كسوته وصديريته فوق كتفه كدلالي الثياب وباعة الخرق القديمة في الأسواق. جاعلاً قلنسوته فوق قبعة النوم على رأسه - نقول بالرغم من كل ذلك لم يكن شيء قط ليمنع المستر بكويك من تقديمه إلى السيدة واجب تحية الوداع بإحنائه رأسه بكل أدب واحترام وقوله بأرق لهجة وأرخم نغمة (اسمحي لي يا سيدتي أن أظهر عظيم أسفي واستيائي وجزيل شكري)

فقاطعته السيدة قائلة (إن كان ذلك حقاً فاخرج في الحال يا سيدي)

قال بكويك في الحال يا سيدتي في الحال

ثم فتح الباب فسقط الخفان من يده على الأرض بصوت شديد فتناول الخفين وبعد خروجه من الباب التفت إلى السيدة فقال (أملي وطيد يا سيدتي في أن ما يؤثر عني في جميع أنحاء العالم المتأدب من العفة والنزاهة ومن إجلالي جنسكم اللطيف ومغالاتي بقدره سيشفع لي عندك ويقوم ببعض) ولكن السيدة لم تمله حتى يكمل خطبته بل قذفته في الدهليز وأغلقت الباب في وجهه يخلع نعليه وجوربيه على رسله ثم نضا ثوبه وصديريته ووشاحه ولبس قبعة النوم ذات الزر الطويل وربطها جيداً من تحت ذقنه بزناقها. وبعد ذلك أخذ يتذكر ما كان أصابه من الحيرة والإرتباك عند إضلاله غرفته وشرع يضحك من نفسه لنفسه ما أعجب ضلالي بين هاتيك السلالم والدهاليز التي كأنها أبدية لا مبدأ لها ولا نهاية. عجيب عجيب عجيب ثم عاد إلى الضحك وشرع ينضو بقية ثيابه وإذا بحادث فجائي أوقفه وسط عمله. وما أدراك ما هو؟ دخول إنسان من الباب يحمل في يده شمعة. وهذا الطارئ بعد إغلاق الباب سار إلى منضدة اللبس فوضع الشمعة عليها.

فاختفت ابتسامة المستر بكويك تحت ما غشي وجهه إذ ذاك من سيما الإندهاش التام. لقد كان دخول هذا الطارئ بمنتهى المباغتة والخفية والخفة حتى أن المستر بكويك لم يجد