للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

عزمهما أن يمارسا فن التمثيل وقد مثلا بعض الروايات في تياتروزيزينيا في الإسكندرية وأثنى الجمهور عليها كثيراً لأنهما كانا مقتدرين في فن الإنشاء والتمثيل معاً.

ومن الروايات التي شخصاها رواية أندرومارك لراسين المؤلف الفرنسوي نقلها إلى العربية أديب اسحق واقتفى مؤلفها في كل ما التزمه من المحسنات اللغوية فجاءت في العربية محكمة كما هي في الفرنساوية. وكأنهما رأيا كثرة نفقات التمثيل وليس لهما سند مالي فانفصل أديب ونوى أن يلحق بالصحافة ففي ذات يوم ورد لي كتاب من أخي أمين شميل المقيم في الإسكندرية يقول فيه أن أديب اسحق متوجه إلى القاهرة وفي نيته أن يشترك مع أنيس خلاط صاحب جريدة الجريدة العربية الوحيدة التي كانت تطبع فيها. وقد وصف لي براعته وكنت قد سمعت بها. فلما تعرفت به فتنت بمقدرته في فن الإنشاء مع اتساع مقتبساته مما كان له شأن عظيم في تلك الأيام والنهضة اللغوية في أولها. ومما قرأه لي حينئذٍ مقالة في غاية الإحكام كل عباراتها مقتبسة وليس له فيها غير التنسيق والربط فأسكنته معي وعرفته ببعض نوابع تلك الأيام كالشيخ محمد عبده واللقاني ولطيف سليم وغيرهم ممن كانوا يجتمعون كل مساء تحت لواء الشيخ جمال الدين الأفغاني في قهوة بالقرب من البوستة القديمة.

ولما أبدى لي أنه آتٍ ليشترك في تحرير جريدة أنيس خلاط لم أستصوب رأيه لعلمي أن الجريدة المذكورة ليس لها شأن فخفت أن تؤثر على مطلعه فلا تبدو حينئذٍ مواهبه كما يجب. ووددت له الإستقلال في العمل. فأشرت عليه أن ينشئ جريدة باسمه وكأنه استصعب الأمر جداً فقال ومن أين لي المال اللازم وذكر لي أن تقلا كلفته الرخصة نحو مائة ليرة. فشجعته وقلت له لعلي أستطيع أن آخذ لك رخصة بلا نفقة تذكر. وأما الطبع فيكون في أول الأمر بالأجرة المؤجلة. وفي الحال قمت معه إلى نظارة الداخلية وكانت الأعمال يومئذٍ تجري بالنفوذ أكثر منها بالنظام. وقابلنا أدوار اليأس من مفتشي الداخلية فعرفته به وأوصيته أن يساعده للحصول على الرخصة فوعدنا الرجل خيراً وبراً بوعده.

فقدم أديب حينئذٍ طلباً بإنشاء جريدة أسبوعية اسمها (مصر) ومركزها القاهرة. ثم تركته يمشي وحده لأني رأيته في أمر المداخلة مع الناس أقدر مني جداً فحيث أخطو أنا خطوة يخطو هو خطوات. ولم يمض أسبوع حتى جاءني يقول أن الرخصة جاهزة ويلزم نصف