للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

بشغف عند خروجه من إحدى المآدب، وقد سمعته مرة وقد ألفى نفسه في مطعم صغير بباريس، بنجوة من مرأى الناس ومسمعهم، يبدي دلائل الراحة والرضى أن أصبح بعيداً عن أبصار الجماهير وتحديقاتهم، - وهذه الصفات تنطبق كل الانطباق على الرئيس رشدي، فهو رجل متواضع جناح إلى العزلة، متباعد عن الكلفة والأبهة، وكثيراً ما شوهد يمشي على قدميه، غير محتفل بالمظاهر الرسمية، ولا مكترث بأبهة الرآسة، لأنه يعلم أن تلك الأبهة المصطنعة، والكبرياء المتعمل، والنفخة الجوفاء التي يعمد إليها كثير من الحكام وأهل السلطة ليست إلا دليلاً بيناً على نضوب قلوبهم من نبعة العظمة الحقيقية، لأن العظمة الصادقة ليست في المظهر، ولكنها في الصميم، والعظمة تعلن عن نفسها ولو كانت في الأطمار والأثواب البالية، ولو رأيت نابليون يوماً في ملابس الخادم الذي يشتغل في بيتك لظل يروعك ويكرهك على الوقوف أمامه خاشعاً متهيباً، كما لو رأيته في لباس الإمبراطورية، ولقد كان ابن الخطاب في ردائه وثوبه الشطرنجي أشد روعة وجلالاً مما لو جئت إليه بأفخر بدلة من ديفس براين نعم لأن العظمة تطل عليك من عينيه، وتهجم عليك من وجهه، وتصدمك من كلامه ومشيته، ومن النور المنبعث من كل ناحية من النواحي.

وجملة القول، إذا كان مستر اوكونور عضو البرلمان قد قال عن لويد جورج إنه إذا لم يستطيع هذا الرجل أن ينتصر لإنجلتره وينجح الإنكليز فلن يوجد رجل بعده يستطيع ذلك إلى الأبد، فما أجدرنا أن نقول نحن أيضاً أنه لا يوجد غير الرئيس رشدي باشا، يستطيع أن يسمو في تاريخ العالم الحديث بمكانة مصر والمصريين!!