للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الممين فإذا كان في الرعاع والطغام فلن تراه إلا أمرأ ساقطاً مخالطاً غير شريفة أو تراه مجرماً عادة وصناعة. أما إذا كان موسراً متعلماً أو كان ذا منصب عظيم فإنه يرتكب في هذه الحالة جرائم الطبقات العالية فيكون دون جوان الملاهي والمراقص وحجرات السمر والمؤانثة وتبيع الغواني وزير النساء. يرفع لواء الفجور أنى نزل ويحمل الخزي والعار إلى بيوت صفوة أخدانه. ونخبة من صحابه وخلانه. أو أن يكون صياد الوارثات من النساء وقناص الأرامل الموسرات. وخواناً حيثما أؤتمن. وهمازاً مشاء بنميم، مناعاً للخير معتدياً أثيماً. وزراعاً للفتن بثاثاً للمكايد وأفاً كالكذابا. وغذا كان من أرباب العروش فربما استفحل فيه الداء حتى يصير سبعاً ضارياً ووحشاً مفترساً وقائداً غازياً فاتحاً مدوخاً لشعوب الأرض وممالكها. فإن كان محدود السلطة كان من قبيل شارل الخبيث والكونت دي فريه وملك نافر وجيل دي ريه وقيصر بورجيا. وإذا كان مطلق السلطة كان مثل نابليون بونابرت. هذا وإذا كان جهازه العصبي أضعف من أن يولد عنده البواعث المغرية بمحاولة ضخم الأعمال والمساعي أو كانت عضلاته أوهن من أن تستطيع تنفيذ ما توحي به تلك البواعث فإن هذه الأميال الجنائية تبقى غير مقضية. وتبقى هذه المطامع الإجرامية غير مكفية. وتلك الغلة المتأججة غير مشفية ولا مروية. وإذ كان لا بد لها من منفذ ومخرج فإنها تجعل مخرجها من طريق التصور والخيال. في هذه الحالة يكون المجنون الأناني مجرماً نظرياً أو أفلاطونياً ليس إلا. فإن كان من حملة الأقلام شرع في وضع النظريات الهادمة للنواميس الأدبية والقوانين الإجتماعية مما ينطبق على فساد عقله وغرائزه ويلائم جنونه الأناني. أو أخذ يقرظ فاسد النظريات بأبدع القول وأخلبه، يزين زور الكلام بآنق حلى البلاغة وأبدع زخارف البيان. فأمثال هؤلاء الكتاب هم في الحقيقة مجرمون ولكن الفرق بينهم وبين سكان السجون هو أنهم لم يأثروا في قوة الإرادة ومضاء العزيمة ولا يستطيعون به الذهاب إلى السجن على أجنحة الجرائم الفعلية. بل كل ما يستطيعون تزويق اللفظ وتنميق العبارة.

وهنالك خاصة يستوي فيها جميع المجانين الأنانيين وتلك هي عجزهم عن التوفيق بين أنفسهم وبين الظروف التي يعيشون فيها سواء أكانوا ممن يظهرون عداواتهم للنواميس الإجتماعية في صورة فكرية أو فعلية - بالكتابة أو بالإجرام فهذا العجز عن الملائمة بين