للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

الأموات والأحياء غير أسماء أهلها، ولا تملك من الأرض كلها أكثر من غبار نعلها، وقد خرجت تتحامل فكلما خافتت في مشيها قليلاً خافت العثار، فاستندت إلى جدار، فإذا رأيت ثم رأيت صورة البؤس ولكن في غير إطار، وإنها لتمشي وليس فيها دم ينتهي إلى قدميها فهي تجرهما جراً وتقتلعهما بين الخطوة وما تدري من الألم أهما على الأرض أم في الأرض يسوخان، وقد تزايلت أعضاؤها فما تحس أن فيها حياة متماسكة، وهي ما فتئت تحسب أن جسمها قد خلق نعشاً لقلبها فلا هذا القلب يحيا كما تحيا القلوب ولا ذلك الجسم ينمو كما تنمو الأجسام.

وفي رأسها عقل زاد فضل الله ورحمته في جهة منه ونقص عنف الناس وقسوتهم من جهة أخرى، فبينا هي على ذلك نحمد الله إذا هي مع ذلك تلعن الناس. وهي مرة تنظر إلى الحياة فترى كل شيء في الحياة إلا نفسها ومرة تنظر إلى الموت فلا ترى في الموت شيئاً إلا نفسها ولم يكن يمسك روحها بين الإثنين إلا خيطان أحدهما من السماء وهو الأمل في رحمة الله والآخر من الأرض وهو إشفاقها على جدتها التي كانت تكدح منذ الصغر لقوتها. تلك الجدة الفانية التي كبرت وبلغت من الكبر حتى حسبتها الفتاة قد كبرت عن سن الموت. . .

أما الآن فقد تبين لها الخط الأبيض من الخط الأسود وانصدعت حفرة جدتها المسكينة ولم يبق لها إلا رحمة الله.

قال الشيخ علي: وكان خروج هذه البائسة أصيل يوم من أيام الصيف ذهبت فيه طاوية على الجوع كما تغدو الطيور من وكناتها وملء بطونها هواء. غير أن الطيور تهزأ بالناس جميعاً وهي على ضعفها أقوى من الشرائع والقوانين إذ تنبعث وكأن كل طائر منها إرادة متجسمة تقذف بها السماء فما تبالي على أي أرض تقع ومن أي حب تلتقط ولا نعرف إلا أن هذا الإنسان يعمل على السخرة ليخرج لها من الأرض رزقها رغداً.

أما الفتاة فكل الناس يهزأ بها وهي ترى كل إنسان على ملكه كأنه قانون وضع لعقابها إذا حدثتها النفس حديثاً فقد بلغت من الضعف والمرض والفاقة إلى حال لا تجعل يديها تصلحان لعمل غير الأخذ فإن اختلست قيل سارقة فعوقبت، وإن سألت قيل متشردة فكذلك.

ويا ليت في قلب هذا الإنسان من معاني الصفح بعض ما في لسانه من ألفاظ القصاص