للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

أنه ابن أبيه وأمه، أكثر مما يعرف أنه ابن فقره وهمه، فابتدر إلى المسكينة وكانت حركة الحياة فيها أسرع من حركة أضراسها في طعامه ثم ذهب لا يعرف ما نصنع لأنه طفل أو لأنه فقير. لا أدري. غير أني أعرف أنه لا يسلم من لؤم النفس في صنعة المعروف وتطويل المن به وتعريض الحديث فيه إلا الأطفال وإلا الفقراء. أولئك لأنهم لا يستكثرون الخير، وهؤلاء لأن الخير منهم غير كثير.

وانطلق الطفل وهو يلوي رأسه ويفكر في أي خديه تقع عليه اللطمة الأولى من أمه لأنها لا محالة ستحسبه اقترف إثماً فطرد من عمله، وانقطعت به طريق أمله، وإلى أن يأتي الله بالصباح الذي ينير برهانه، ويثبت لها إحسانه، يكون هذا الليل، قد صب عليه الويل، وهكذا جعل يشهد الله على ما سيلقاه في سبيل الخير بدلاً من أن يشهد الناس على ما لقي غيره منه في هذا السبيل من إحسانه وإيثاره. لأنه طفل أو لأنه فقير؟ لا أدري.

أما الفتاة فأرسلت في أثره نظرة حية ولم تجزه غيرها بل جعلت جزاء عمله من عمله نفسه لأن ثرثرة الفقراء في الشكر على المعروف كهذيان الأغنياء في التبسط على المن به كلاهما لا يكون الأمن خبث أو لؤم وهي فتاة أقدمت على الموت ولم تقدم على السرقة. وإنها لتعلم أن من أحياها فكأنما أحياء الناس جميعاً ولكنها رأت الطفل غير أهل لأن يعرف إحسانه من نفسها. لأنه طفل أو لأنه فقير: لا ادري.

ولما أمسكت عليها النفس وراجعت الحياة بدا لها فيما اعتزمه من الانتحار فترددت وجعلت تساورها الظنون وخلق لها من معدتها عقل جديد يبصرها فرق ما بين الجوع والشبع وكذلك تعرض لبعض الناس حالات من الحرص يعقلون فيها يبطنوهم حتى أن أحدهم لو تحسس رأسه وهو يفكر لحسبه بطناً صغيراً من العظم. . . فأنشأت الفتاة تستقيم على طريقها وهي تؤامر نفسيها على الحياة والموت وقد بدأت تهضم في معدتها الطعام والعزيمة جميعاً.

وبينما هي تسير نظرت في عرض الطريق سيدة لولبس معنى الغنى لفظاً مابس غير اسمها، ولو كان للكبرياء رسم ما رأيته غير رسمها، وقد أورثها الغني ذلك الغرور بنفسها، حتى توهمت أنها في الأرض أخت شمسها، وبلغت في النعمة من الحمق والبطر، بحيث جعلت نفسها كالسماء متى تعبس وجهها استهلت لعنتها المطر، وهي من أولئك اللواتي