للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

لا تبتكر النظريات الإجتماعية ولا تخترع ولا تخلق من عدم وإنما تتنبت عن جذور لها في الأمة. هذه الجذور هي الحوادث التي تمر على الهيئة الإجتماعية والتقلبات التي تصيبها في طريقها. ولا تقف الأمة إزاء هذه الحوادث والتقلبات جامدة ساكنة بل لابد أن تغير من نظامها وتعدل من سيرها بحيث تصبح على وفاق مع هذه الحوادث. وهذا ما يسمون بالتطور الاجتماعي. فمعنى التطور الاجتماعي ترك نظام قديم غير ملائم لما أصبحت عليه الأمة بسبب ما أصابها من الطوارئ والسير نحو نظام جديد يلائم الحالة الجديدة التي صارت بها الأمة.

والعالم البصير الذي يرقب هذه الحوادث ويحلل أجزائها ويعرف كنهها يمكنه أن يقف على مجرى طريقها فيرسمه سلفاً ويحث أمته على إتباعه كالرياضي حينما يقع نظره على قوس يعرف مركز القوس بعد الاختبار والامتحان ثم يطيل القوس ويمد حتى بصير دائرة. وما يستخلصه العالم الاجتماعي من الحوادث وما يرسمه قياساً على ما مر فيها هي نظريته الاجتماعية التي إن جاءت الحوادث مصدقة لها كانت صحيحة والتف حولها الأتباع وتوافر المدافعون وإن كذبتها الأيام تخاذل عنها أعوانها وتلاشي أمرها.

ونظرية السفور هي بنت الزمان ووليدة الحوادث أظهرها قاسم أمين بقوة فكره وبعد نظره. ومن ثم أخذت تنمو وتشتد ويتهافت عليها المتعلمون من كل حدب ويفر أمامها أعداؤها لائذين بالعادات القديمة مستصرخين إياها مستنجدين بها طالبين المعونة من كل شارد ووارد ولم يجدهم الاستصراخ شيئاً فإن الطبيعة قاسية القلب تجهز على الضعيف ولا تبقى لا على القوي الصالح. والسفور خير نظام يكفل للأمة الهناء والسعادة في حيانها المنزلية. وستنتهي إليه الأمة ولو كره أصار الحجاب.

ومن العبث أن يعارضوا حركته أو يناهضوها أو يعرقلوا من سيرها فإنهم لن يفوزوا بغرضهم ولن يرجعوا بطائل إذ من المحال أن يسبق الإنسان الحوادث ويقف في وجهها ومن الهذيان أن يعترض عليها فإنها لا تصغي لأحد.

وإذا كان مآل المرأة المصرية إلى الحرية والسفور كما هو واضح من استقراء أحوال الأمم التي سبقتنا في الحضارة ومن مجرى الحوادث بيننا فما الداعي إلى الكتابة في هذا الموضوع وسيتم التاريخ دورته من غير احتجاج إلى معونة إنسان.