للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

[صور هزلية]

من أخلاق الناس

أنا

هل سمعتم أيها القراء بنبأ رجل نصفه من الفخار الذي صنعه الله منه، ونصفه الآخر عفريت من شر ما جاء في دفاتر مواليد العفاريت، عفريت ملتهب الرأس تتطاير منه نار ساطعة تتطاول إلى السماء، وإن كان نصفه الأسفل، هذا النصف الذي تجتمع فيه فضيلة الأنبياء برذيلة المجرمين، يجر نفسه على الأرض، ويمشي بين الناس، بيناً نصفه الأعلى، هذا النصف الناري الملتهب، يطل من عالم الجان والملائكة، على عالم الطين والوحل.

وهذا التركيب الذي ركب به هذا المخلوق العجيب هو الماركة المسجلة التي طبعها الله فوقه ليدل مخلوقاته على أنه قادر على أن يجعل من الكائنات مزيجاً واحداً، ويخلق من جميع العقاقير والعناصر والسموم - التي يركب منها في معمله أجزاء كونه - مادة مفردة، وإن مثل هذا المخلوق هو ضرب من السلطة التي صنعتها القدرة الإلهية للناس لتكون وسيلة لأجل فتح نفسهم قبل أن يأكلوا الحياة أكلاً، وهو من مقويات الشهية، لأن كثيرين من الناس خلقوا في هذه الحياة ليكونوا لها فاكهة ونقلاً، ولعل الأولين خير للناس من الآخرين، لأن الذي يبدأ بأكل الفلفل والحريف يستطيع أن يلتهم طعامه ويئنيه بالفاكهة، ولكنه إذا بدأ بالفاكهة لم يستطع أن يستمرئ طعامه، أو ينال منه المقدار الكبير، لأن الفاكهة في نفسها مغذية، وكل فصيلة التوابل في مرارتها، وكل ما اشتدت لذعتها في الفم، وحرارتها في المعدة. اشتد هجوم الآكل على الطعام، وفتك بجميع ما في خوانه من المخلوقات التي لا يزال كل فخره وزهوه في أنه فضلها بقوة النطق، ومن الأعواد الخضراء التي وثبت من المصدر الذي وثب هو منه - وهو التراب!

أيها القراء إنكم لم تسمعوا ولا ريب بخبر هذا المخلوق الخرافي، ولم تقعوا على فتوغرافيتهفي معروضات الصور، ولم تروه في صندوق الدنيا الذي يطوف في الأزقة لفرجة الصبية والأولاد، وتودون ولا ريب أن تسمعوا طرفاً من أخلاقه، وتقرأوا نزراً من مزاياه وخصائصه، وتفهموا شيئاً عن هذه المناقضة الغريبة التي جاءت لتعارض قوالبكم الجميلة التي خرجت من يد الطبيعة في كل هدوء ولين - إذن فليكن ما تريدون أيها القراء