للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقد توالدت هذه الرغبة عن العوامل المكونة لتربيتي. فقد أحفظ له ضغينة في قلبي وبمجرد ما لمحته عيني تحركت الضغينة ودفعتني إلى الإساءة إليه والإنتقام منه بالمشي على قدمه. وقد أكون لا أعرفه ولم أقابله من قبل ولكن سحنته لم تعجبني ودمه لم يتفق مع دمي بحيث أن جهازي العصبي ساقني إلى إهانته بالمشي على قدمه. ولو سرنا في هذا التعليل إلى النهاية وهو تعليل صحيح لحكمنا بأنه مخطئ مثلي لو فرض وكنت أنا مخطئاً حقيقةً لأنه لو ابتعد عن طريقي لما وقعت له إهانة غير أنه قد يلطمني على وجهي عقاباً لي على ما آتيته معه. وقد تنفعني هذه اللطمة فتمنعني من أن أناله بأذى فيما لو تقابلت معه مرة ثانية وكان أثر الحزن الذي أصابني من جراء اللطمة باقياً في ذاكرتي.

ولو كان غرضه من هذه اللطمة تهذيب أخلاقي وتقويم معوجي فقد أحسن إلي. ولكنه على الأرجح لا يرمي إلى هذا الغرض الفلسفي السامي وإنما ينبغي الإنتقام وأن يشفي غليلي كأني مسؤول عن عملي ولكن لم أكن مثله قصير النظر قليل الحكمة في المشي على قدمه كراهة مني لسحنته وهو غير مسؤول عن قبح خلقته.

إن المجتمع الإنساني سائر في ضلال وبغير هدى ولا حكمة فإنه يعاقب المجرمين انتقاماً منهم لا تهذيباً لنفوسهم وتقويماً لجهازهم العصبي الفاسد. بيد أن بين الغرضين الإنتقام من المجرمين وإصلاح نفوسهم صلة تقارب وتشابه.

إذا سقط رجل من أعلى فقتل أحد المارين من غير أن يصاب هو بأذى فلا نعاقبه لأنه غير مسؤول. وبعبارة أخرى لأنه لم يرد القتل ولم يكن لجهازه العصبي ضلع فيه إذن فلا معنى لإصلاح هذا الجهاز بالعقاب والتعذيب لأنه لم ينم عن فساد واعوجاج - إذا كان ولا بد من الإصلاح والمعالجة فلنعالج ثقل الرجل حتى يكون خفيفاً بحيث لو سقط مرة أخرى فلا يؤذي أحداً.

وإذا ارتكب مجنون القتل فلا نعاقبه لأنه غير مسؤول عن عمله ونكتفي بوضعه في مستشفى المجانين حتى نأمن شره ونمنعه من أن يصيب نفسه بضرر. وبعبارة أخرى إن العقاب لا يقوم جهازه العصبي وإن جنونه لا يسمح له أن يتخذ من العقاب رادعاً يزجره عن الإجرام.

وكذلك حاد المزاج غير مسؤول. فإنه لو أقدم على القتل إبان ثورته فذلك لأنه لم يكن لديه