للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

ولقد لبثت البيئة الأولى التي كان الإنسان عائشاً فيها قروناً عديدة لم تتغير تغيراً محسوساً فأكسبته آداباً مخصوصة لازمته طوال هذه القرون فارتكزت في أعضائه وصار لها في بنيته جهاز خاص فتوارثها عنه أعقابه وأصبح الإنسان يعتقد بحق أنها آداب مطلقة.

فطر الإنسان على الأثرة وحب الذات حفظاً لحياته وبقاء نوعه، والأثرة خميرة صالحة لكثير من المزايا الإنسانية غير أنها قد تلقي بالمجتمع الإنساني إلى التهلكة لو أطلق لها العنان وتجردت من كل قيد.

وهو من جهة أخرى مدني بالطبع يجب الإجتماع ولا غنى له عن الوئام والإتحاد مع العائلة أو القبيلة التي كان عائشاً بينها ليكون قادراً على درء الخطوب ومقاتلة الأعداد والتغلب على الوحوش الضارية التي تنازعه البقاء خصوصاً إذا كانت العائلة أو القبيلة قليلة العدد كما كانت الحال في مبدأ الإنسان ولم يسد الإنسان على العالم ولم يتغلب على أعدائه إلا بعد جهاد طويل نشأ عنه حب الغير وتآخي الناس واعتبار كل منهم للباقين بمثابة حلفاء تحافظ على حياتهم ويحافظون على حياته وإذا حميت الأثرة الفردية بأحدهم ودفعته إلى التعدي على آخر فقد أخل بالمجتمع كأنه تعد على المجموع مهما كان تعديه تافهاً واعتبر عمله مخلاً بالآداب، فالآداب قواعد اجتماعية أوجدتها ضرورة الإجتماع منعاً للأثرة الفردية من الجموع وحثاً للناس على عمل النافع والإمتناع عن المضار، وبعبارة أخرى قواعد اجتماعية تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر.

وهذا الحد واسع جداً غير قاصر على الآداب بل يشمل أيضاً القوانين ولتصحيحه يجب أن نخرج منه القوانين التي لا يدخل في دائرتها الأكل تعد يظنه المجتمع الإنساني بليغاً ومهدداً لكيانه ويفرض لمقترفه عقاباً زاجراً.

وكانت الهيئة الإجتماعية في أول الأمر قاصرة على أعضاء العائلة أو القبيلة لا تتعدى ذلك إلى غيرهم من الأجانب الذين كانوا معتبرين كأعداء ألداد لا يرعى لهم ذمار ولا يعترف لهم بحق بل يجب مقاتلتهم أينما وجدوا فالآداب إذ ذاك كانت قاصرة على حماية العائلة أو القبيلة فقط ومن عداها فهو مهضوم الحقوق.

ولم يكن الإنسان عائشاً في سلام واطمئنان بل كان قلق البال على حياته يكافح الوحوش الضارية التي كانت تنازعه البقاء والسيادة ويقاتل القبائل الأخرى إما دفاعاً عن نفسه أو