للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

اللفظة الخفيفة على جناح الأمر.

وما الحرب إلا أن يتنازع الناس على الحياة فيقيموا الموت قاضياً، ويطلبوا من الشريعة المدونة في صفائح السيوف حكماً على الحياة ماضياً، فكلا الفريقين يقدم الحجج، من المهج، ويأتي من بلاغة الموت في خصامه بكل ضرب ويجري الحياة مجرى الإستعارة في بيان الحرب.

وقد توقف الرجال في يوم أطول من يوم العرض، وتقاذفوا بالآجال حتى أوشكت السماء لكثرة ما ينزل منها أن تقع على الأرض، فالخيل منقضة كأنها صواعق أرسلها الموت في أعنه، أو نوازع من السحاب بروقها الصورم والأسنة، مسرعة كأنها تسابق تلك المنايا التي جرت بها الأقدار، جائلةً كأنما تحيرت كيف تفر من ساحة الموت بما حملت من الأعمار، وعلى ظهورها كل فارس كأنه بين الرماح أسد في غاب، وكأن الموت من سيفه سم خلق في ناب، وكان العنان في يده سوط ولكنه سوط عذاب، لم يعد في الفرسان، حتى لم يعد من الإنسان، فإذا صاح بقرنه عرفت وحوش ذلك الصوت، وإذا هاجته الحرب لم يفته من ضروب النقمة فوت، وإذا نظر إلى مقتل عدوه حسبت عينيه نقطتين على تاء الموت.

وقد ثار الغبار كآفة طريق يمتد من الأرض إلى السماء، أو كأنما أراد أن يمثل السحاب وقد رأى المطر تمثله الدماء، أو كأنه لما رأى الحرب تتوقد هب مستجيراً من الرمضاء، أو هو قد فر من الأرض لما خشي أن تنفلق الأرض من حوافر الخيل، أو كأنه أنف أن يأتي الناس أعمال اللصوص في نور الشمس فضرب عليهم قبة من الليل، أو حسب عقول الجند في أيديهم وأرجلهم. . . فطار ينظر أين تلك الهام، أو هو لما رأى المطر أحمر خشي على الأرض فثار ينظر ماذا دهى الغمام.

والمدافع قد رمت الأرض بزلزالها، وألقت على الجند من شر أفعالها، فتركنهم كالغابة الملتفة إذا استطار فيها الحريق وانحط فريق من أشجارها على فريق، وكأنما انقض عليهم من قنابلها جدار من الجحيم. وكأن كل مدفع في صيحة الحرب إنما هو عنق شيطان رجيم.

تحمل في بطونها أجنة من النار ترتعد الحصون لهول ميلادها، وتنحني القلاع مخافةً منها على أولادها، ولها صوت بعيد كأنها تنادي به السماء لترسل المنايا الطارقة، أو لتستقبل الأرواح المفارقة، أو كأنه نشيد فخم تفتخر به الأرض على الرعد والصاعقة، وهي القارعة