للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

بفؤاده وسلامة مزاحه مع الناس، وقد نزع عنه روح الإلحاد وأبقى فيه على روح المجون، ثم ماذا هم قائلون إذا قرأوا الشذرة الآتية التي جعل يصف فيها اعتقاده في وجود الآخرة.

قال يخاطب قراءه عزاء يا قرائي وسلوى، فسنلتقي ثانيةً في عالم أحسن من هذا. هناك حيث في نيتي أن أكتب لكم كتباً أبدع مما كتبت - إني آخذها قضية مسلمة، إن صحتي ستتحسن هناك وإن العم سويدنبرج لم يخدعنا. إذا أنبأنا بكل توكيد وثقة أننا سنسترسل في علمنا القديم الذي كنا نزاوله في ذلك العالم الآخر كما كنا نفعل هنا، حذوك النعل بالنعل، وإننا سنحتفظ هناك بشخصياتنا، فلا تتغير ولا تتبدل، وإن الموت لن يحيل شيئاً من نظامنا. إن سويدنبرج رجل شريف، طيب القلب، ولا يسعنا إلا أن نصدق كل ما قاله عن العالم الآخر الذي أبصر فيه بعيني رأسه الأشخاص الذين لعبوا دوراً كبيراً في الأرض، وقد قال عنهم أن أكثرهم ظل على حاله لم يتغير، ولكنهم أصبحوا هناك مودة قديمة وأصبحت طبعتهم متأخرة. فمثلاً الدكتور مارتن لوتر ظل متمسكاً بعقيدته التي لبث ثلاثمائة سنة يكتب عنها كل يوم الحجج والبراهين، ولكن كثيرين منهم لم ينجحوا ولم يبقوا على شخصيتهم، بل تهذبوا كثيراً وتحسنوا، وتطوروا إلى الشر أو الخير، ففريق منهم كانوا في الأرض أبطالاً وصناديد وقديسين فتدهوروا هناك فصاروا فجرة فسدة سفهاء لا يصلحون لشيء، وفريق آخر من الذين كانوا هنا أقوياء الإرادة، صارمي العزيمة، عادوا فأصبحوا الآن أشراراً مجرمين، وبالعكس صارت بنات لوط على ممر الزمن من بنات الفضيلة وعدت في العالم الآخر الأمثلة العليا للعفاف والحشمة والأدب.

وكان هايني في أيام شبيبته لا يترك صديقاً أو عدواً إلا سخر منه وأخذه بمجونه ولكنه عاد فرأى خطأه، وتبين سوء ما فعل، فكتب قطعة تعد أحسن وصف للدنيا، فقال. . وا أسفاه الحق أقول لكم لا ينبغي أن يسئ إنسان إلى أحد في هذا العالم. كل منا مريض في هذا المحجر الصحي، ولكل منا علته في هذا المستشفى. ولقد ذكرتني تهكمات الكتاب بشجار غريب وقع في مستشفى كراكاو، وكنت أنا شاهده. وذلك أن المرضى انطلقوا يتهكمون بعضهم ببعض ويتباهلون ويتعايبون بأمراضهم وعللهم، فسمعت المسلول الذي أكل السل رئته وهضم لهاته يسخر من آخر أهزله الإستسقاء، وهذا ينكت على مريض بالسرطان، وصاحب السرطان يعيب على صاحب الجذام. حتى وثب أخيراً مريض محموم في أشد