للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يستطيع فيها تغييراً ولا تبديلأً. وسنعود إلى هذه النظرية في سياق هذا الكتاب فنبين ما فيها من الخطأ ونفندها تفنيداً. أما المذهب الثاني فهو القول بحرية الإختيار أي أن الإنسان حر يفعل ما يشاء ويترك ما يشاء بمحض اختياره وهي نظرية يدل ظاهرها على أنها تؤيد تربية الإرادة وتقول بها وتحث عليها حتى أن (ستورات مل) ذهب به التغالي إلى القول بأن الآخذين بمذهب حرية الإختيار يتولد لديهم شعور بما للجد والسعي الشخصي من الآثار في نفوسهم. ولكنا على الرغم من هذا كله ومع علمنا بفكرة (ستورات مل) وهو من زعماء القائلين بالعلية أي ارتباط المسببات بأسباب وعلل لأنحجم عن القول بأن نظرية حرية الإختيار منافية لتربية الإرادة وامتلاك هوى النفس وإنها عقبة كأداء في سبيلها لا تقل شأناً في ذلك عن سابقتها أعني القول بأن الأخلاق لا تتغير ولا تتبدل وذلك لأانها تعد مسألة تربية الإرادة أمراً هيناً سهلاً وأنها من الأمور الطبيعية التي لا بد منها، مع أن هذه التربية عمل طويل بعيد الشقة ولا بد فيه من السعي الكثير والعناء الكبير والإلمام بقوى النفس ومعرفة مصادرها ومواردها.

ولقد ترتب علي القول بحرية الإختيار أن كثيراً من أصحاب العقول الراجحة والآراء الصائبة لم يحفلوا بالبحث والتفكير في مسألة الإرادة ودراسة أحوالها وملابساتها فأضرت هذه النظرية بعلم النفس بل بالإنسانية جمعاء ضرراً لا كفاء له لهذا السبب رأينا أن نهدي كتابنا هذا إلى الموسيو (ريبو) أستاذنا القديم الذي علمنا حب البحث في علوم النفس بل الرجل الذي كان أول من نشر مباحثه النفسية في فرنسا بعد أن جردها من مباحث ما وراء الطبيعة فابتعد فيها عن البحث في ماهية الإدراك وأحوال النفس واقتصر - كما يفعل العلماء في مباحثهم - على درس الأمور السابقة والملابسة لأحوال الإدراك والحركات الإرادية وغير ذلك من حركات النفس.

ومما يحب التنبه له أن طريقته لا تنفي وجود المباحث اللاطبيعية أي البحث فيما وراء المحسوسات بل تقول بوجودها وتعترف بأن علم النفس جزء من هذه العلوم وكل ما هنالك أنها تخرج هذه المباحث من علم النفس وشتان ما بين هذا وذاك ومدار طريقة الموسيو (ريبو) هي جعل البحث في شؤون النفس علماً من جملة العلوم الأخرى التي نهتدي بهديها ونسير على نهجها، والعلماء كما لا يخفى لا يتلمسون العلم لذاته ولا حباً في العلم ولكن