للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بأن الأخلاق ولدت مع الإنسان فلا سبيل لتغييرها هم الذين ثارت تائرتهم وحملوا علينا حملات شعواء.

ويظهر أن نظرية حرية الإختيار قد تركها القائمون بأمر التربية في زوايا النسيان فلقد رأوا أنفسهم مرغمين على مواجهة حقائق ثابتة لا ظنون وأوهام وفروض.

ومما يذكر في هذا الصدد أن الموسيو ماريون وهو الالثقة الحجة في مثل هاتيك المسائل شرح في محاضراته التي ألقاها ما بين عامي ١٨٨٤ و ١٨٨٥ الأضرار الجمة التي خلفتها لنا عملياً نظرية حرية الإختيار وهي من مسائل ما وراء الطبيعة فلا سبيل إلى البحث العلمي فيها وخلاصة هذه الأضرار أنها منعت الإنسان من التفكير في الحرية الحقيقية بشروطها وقيودها تلك الحرية التي يجب علينا أن نجد في نيلها والحصول عليها بمجهوداتنا الذاتية. وللموسيو ماريون في مقدمة كتابه التضامن الأخلاقي رأي وجيه عرض به رأي الموسيو فوييه وهو أن مجرد تفكيرنا في حريتنا يجعلنا بالفعل أحراراً.

أما رأي الموسيو ماريون فهو أن تناهينا في الإعتقاد بحريتنا والإعتداد بها يحول دون السعي في الإحتفاظ بما نلناه منها والحرص على القدر الذي حصلنا عليه. وهو رأي أقرب إلى السداد وأدنى إلى المنفعة فإنا لا نكون أحرار إلا إذا جاهدنا في هذه السبيل حق الجهاد حتى نبلغ الغرض.

وقد وجه بعضهم اللوم والتعنيف إلى المؤلف لأنه لم يحفل بالأخلاق الغريزية ولم يجعل لها مكاناً في مباحثه. ونحن نقول لهذا البعض أنهم مخطئون غاية الخطأ في فهم معنى الخلق. الخلق ليس مادة بسيطة بل هو مجموعة مركبة من أفكار وعواطف وشهوات وغير ذلك ومن ثم يكون ذهابهم إلى أن هناك شيئاً اسمه خلق بمثابة اقول بأمور مستحيلة لاتتفق والعقل السليم، ذلك لأن القول بوجود مجموعة عناصر متباينة كما وكيفما وقوى كثيرة متجمعة على وجه خاص وكيفية خاصة قد انحدرت مع الإنسان وغرست في جبلته قول لا يوافق ذو مسكة من العقل. والقول بهذا الرأي يكون معناه أن الإنسان قد يكون له بعض تلك الأخلاق الغريزية الفطرية في أنقى مظاهرها وأكمل أشكالها خالية من كل ما يحيط بها من مؤثرات الوسط والتربية. ولكن دلت التجارب على أن محاولة الوصول إلى تلك المرتبة ضرب من المحال ولا سبيل إلى الوصول إليها بحال من الأحوال فهذه الاستحالة لا