للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

النقص في عمل الصناعة نفسها، نقصاً يرجع بها إلى حيز الطبيعة (والطبيعة والصناعة في الاصطلاح الفني كلمتان متقابلتان من حيث أن الحالة الطبيعية للأشياء هي بقاؤها على ما هي عليه. وإن الحالة الصناعية لها هي انتقالها من ذلك الطور وتشكلها في أطوار أخرى).

وفي التصوير تزيغ الألوان والنقوش البصر قبل أن ينفذ إلى سر الجمال المودع في رسم المزرعة أو المنظر الطبيعي. وكذلك في النحت والمعمار فالمادة في الأول كأن يكون التمثال من مرمر أو حجر مجب مثلا، والمادة والحجم في الثاني تحدثان في نفس الرائي سرورا لايمكن إلا أن نعده سرورا مستقلاً عن ذات الفن في ذلك التمثال وتلك البنية.

فرح الفن تبدو في النموذج والطريقة. إذ أنه في هذين لا في التمثال أو الهيكل من حيث هما تظهر قدرة الصانع. فالرونق الذي يزيد به تمثال المرمر على نموذج الطين، والفخامة والعظم والجلال التي يمتاز بها الصرح الممرد أو الهرم المشيد على رسميهما في القرطاس. ذلك من عمل الطبيعة وليس من عمل الصناعة.

(٢) الشجاعة

المعرفة ترياق الخوف. ويدخل في هذه المعرفة التجربة والتعقل. فالخطر على الطفل من الصندوق أو الموقد أو حوض الاستحمام أو السنور قد لا يقل عن الخطر على الجندي من المدافع والكرات والخنادق والمتاريس وكلاهما يتغلب على خوفه حالما يعرف وجهة الخطر ويلم بوسائل الدفاع والدرء عن نفسه. وكلاهما قد يستسلم لذعر أو قلق ليسا في الواقع إلا نتيجة تصورات وخيالات ولدها في المخيلة الجهل بحقيقة الخطر المحدق بكليهما فالمعرفة تؤيد القلب فلا يجفل من اقتحام المخاطر، وهي التي تنزع الخوف من الصدور. ومثلها التجربة وما معناها إلا المعرفة من طريق الاختبار.

إنما يقهر من يأنس من نفسه القدرة على القهر. وإن الذي لا يحجم عن الأمر إنما هو الذي أقدم عليه مرة قبل ذلك. والسائس المروض للجواد الجامح هو الذي يستطيع أن يمتطيه آمنا. وليس إلا الجندي المدرب يرى شظية القذيفة فيتزحزح عن طريقها ساكناً. والعادة تخلق جندياً باسلاً ممن لا يجعله الشعور بالواجب جندياً وإن كان ذلك الشعور فيه مكينا: ذلك لأن كثرة ممارسته للخطر مكنته من تقدير الخطر. فقد رأى رأى العين إلى أي حد