للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[مذكرات عن مراكش]

ومولاي الحفيظ

تعقد المحالفات، وتبرم المعاهدات، ويتنازل الملوك عن ممالكهم، وثتل العروش وتدخل الشعوب الضعيفة الخاملة في جوف الشعوب العظيمة الرفيعة الشأن، ولا نعرف عنها إلا شيئاً يسيراً تأتي إلينا بها الأنباء البرقية، ويقتطعه الصحفيون ويستنزلونه من صنائع أهل الشأن، والمقربين إلى من بيدهم زمام تلك الأمور، وكذلك مضى نصف أحداث التاريخ أسطراً ضئيلة في الكتب، لو اطلع عليها كانت اليوميات في السماء لنسخ أكثرها، وهكذا مشى التاريخ الإنساني مقتضباً موجزاً من ناحية، مكذوباً من الناحية الأخرى.

على أنه قد يهدي الله أناساً عندهم علم ما خفي على الجماهير، فيأبون ألا أن يخرجوا عن هذه الأسرار، ويحدثوا الإنسانية بغرائب ما انتهى إليهم أو وقع على أيديهم.

ومن هذا ما قرأناه أخيراً في مجلة الاستراند الانكليزية، بقلم مستر والتر هاريس من التفاصيل الغريبة والقصص المدهشة، والأسرار التي تكاد تلوح ضرباً من المجون وإن كانت لا تزال حقائق لا يشهد بها أثر للكذب أو الاختلاق، وهذه الأسرار تتعلق بما دار بين مولاي الحفيظ سلطان مراكش السابق وبين الحكومة الفرنسية عند تنازله عن العرش ودخول الدولة المراكشية في كنف جمهورية فرنسا وحمايتها، وقد كان الكاتب مستر والتر هاريس حاضر أمرهم، وعلى يده وقع التعهد بين السلطان مولاي الحفيظ ومندوب الجمهورية، وقد وصف جملة من أخلاق الحفيظ وطرفاً من المخازي التي ظهر فيها الرجل ضئيل الروح ساقط الهمة، مرذول السيرة.

ونحن نقتطف للقراء شيئاً من هذا المقال الغريب تفكهة لهم وكشفاً لحقائق مرة يجب أن نعلمها قبل سوانا.

قال مستر هاريس: بعد أن بسط العداء الذي كان مستحكماً بين عبد العزيز والحفيظ وتولى الأخير زمام الحكم، وانشقاق القبائل عليه:

ولم يكن مولاي الحفيظ بالرجل الخليق بأن يرد الحياة إلى مراكش المحتضرة، فاتخذ من الحكم ضروباً من القسوة والوحشية، فخرجت عليه القبائل حتى حاصرته في فاس في أوائل عام ١٩١٢ فاستنجد بالفرنسيين وكانوا قد نزلوا ببلدة نسبلا ككا على شاطئ المحيط