للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الأطلنطي، فلم يلبث أن وصلت إليه الكتائب، ففضت جموع المحاصرين عن أسوار العاصمة، ولم تكد تمضي بضعة أسابيع حتى تم التوقيع على معاهدة الحماية الفرنسية، ولكن حدث بعدها مجزرة قتل فيها جمع كثير من الجنود الفرنسية وبذلك أضحى مركز الحفيظ حرجاً، بين فرنسا وبين شعبه، فأجمع على اعتزال الملك.

وعليه انتقل البلاط إلى رباط، وهناك كان آخر العهد باستقلال مراكش، وهناك بدا الحفيظ مطماعاً جشعاً.

وقبل أن يرحل عن فاس إلى رباط، دبر الحيلة لكي يتزود بالثروة ومطالب الترف، فنصح لنساء الأسرة المالكة وعقائل قصره، وهن سرب كبير، لا يقل عددهن عن فرقة من فرق الجيوش فيهن أزواج السلاطين السابقين وكريماتهن وذوات أرواحهن وقريبات الحفيظ ونساء عشيرته، بأن يرافقنه جميعاً إلى رباط وأصدر إليهن التعليمات القاضية بنقل أمتعتهن، أما الجواهر واللآلئ، والأعلاق والنفائس فطلب إليهن أن يضعنها في صناديق صغيرة، وأما الثياب والمتاع الآخر القليل القيمة ففي جعب كبيرة وطرود فصدعن جميعاً بما أمر، ولكن عندما آن أوان رحيل السلطان ترك وراءه السيدات والجعب، وسافر بالصناديق الصغار.

وهذه الجواهر الآن في أوروبا ولا ريب أنها لم تلبث أن انتقلت إلى التجار، ولعلها تزين اليوم صدوراً وأعناقاً ومعاصم ونحوراً في قصور الغرب ومغانيه.

وقد قضى الأسابيع الأخيرة من حكمه في نزاع مستحر بينه وبين المفوضين من الفرنسيين، وكان لا يزال سلطاناً، ولذلك لا يزال خطراً، وأمر خلفه لم يكن قد تقرر بعد، وبذلك كان لا يزال على مائدة هذا اللعب بالسلطنة أوراق طيبة، وقد استطاع أن يظفر منها في اللعب بالفائدة، حتى أنه عندما استتب كل شيء وأرسلت كتب تولية أخيه الأصغر مولاي يوسف إلى داخلية البلاد، عاد مولاي الحفيظ فغير رأيه وتنازل عن عهده، فلما سئل في ذلك قال إنه رأى أن لا يعتزل ويترك مملكته، فوقعت فرنسا في ضيق من أمرها، بعد أن أعلنت تولية يوسف، ولا يزال السلطان الأول باقياً لا يريد اعتزالاً، ثم عاد فصرح بأن في الإمكان مفاوضته ثانياً في أمر الاعتزال لعله يستطيع أن يثوب إلى عزمه الأول، وكل ذلك لكي يتناول ٤٠ ألف جنيه أخرى، وقد دفعت إليه بصك على أحد المصارف، عندما