للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

[صور هزلية]

من أخلاق الناس

القلوب السوداء

استطاع الجغرافيون أن يقسموا الناس على ألوان وجوههم، وتبعاً لمناطق الكرة الأرضية التي احتوتهم، إذ كانت الشمس هي التي لونت الناس، وأنضجت جلود فريق، وتركت جلود الفريق الآخر نيئة، وجلود الباقين نصف سوا على اصطلاح أصحاب المطاعم، ولعل الشعراء يحبون القمر، والعشاق يترنمون بجمال البدر، لأن القمر - أطال الله بقاءه، ومتع أهل الشعر والحب به - لا قدرة له على التلوين، ولا يستطيع أن يحدث أثراً في وجوه الحسان، بل إنه ليرسل أشعته الفضية - وهذه الاستعارة تعجب ولا ريب البخلاء والماديين - فتنعكس فوق صفحة الوجه النضير، والوجنة المشرقة، والطلعة الحلوة، التي هي أشبه بطلعة المحمل أو بطلعة رجب فتزيدها جمالاً وفتنة ونضارة، وتجعل نصف كتب الدنيا شعراً، والنصف الآخر نثراً، ولذلك نستطيع أن نقول أن القمر هو أستاذ الشعراء أو هو ناظر مدرسة الشعر الأرضي كله.

على أن هذا التقسيم قد يكون ظلماً في بعض الأحيان، ومخالفاً للحقيقة في كثير من الظروف، لأنه تقسيم لا يتعدى الظاهر، والظاهر قد يعارض الباطن، وقد يغلبه على حقه، أو يوهم الناس به وما هو به، فكثيرون يطالعونك بوجوه المنطقة المعتدلة ووراء وجوههم قلوب تشترك في لون وجوه جزيرة تاهيتي وآخرون ضربت عليهم الشمس جزية التلقب باسم العبيد والبرابرة، وهم قوم أخيار، بيض الأفئدة، من الطراز الأول.

ولو أردنا إذ ذاك أن نصلح خطأ الجغرافيين لكنا خلفاء بأن نسمى الأولين برابرة بيض على رأي العامة، ولكنهم وا أسفاه لا يزالون يتمتعون بحقوق الرجل الأبيض، وهم أحق بأن يعيشوا في جوار سكنة الأحراش، وآهلة الغاب والأجم، وأهل نم نم لأن قلوبهم السوداء ليست إلا مقابر تضم الجثث والرفات والأشلاء وهي صحراء قفر، ومفازة مخوفة، لا يؤنس إليها، ولا يدنى منها، وحشة وظلمة، وهولاً ونكراً.

وعندما يكون القلب أسود مظلماً، يترك في صفحة الوجه ظلاً قاتماً، لأن النور الخارجي ينعكس عليه فيرسل صورته في معارف الوجه، ولهذا أول علائم صاحب القلب الأسود أنه