للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

[الحرب]

بقلم شاعر لفائي ملكة البلجيك

في معتزل بعيد قصى عن العالم المصطخب، يلوح هذا المنتبذ الذي اتخذته هذه المليكة المعذبة نجوة وملجأ، ولا أعلم كم لبثت في السيارة وهي تعدو في الطريق إليه، وقد ضرب المطر الغزير المنهمل حجاباً أشهب ناصعاً فوق نافذتها، ونحن نسير على مطلع الظلام، وفي أول مرحلة من عمر الليل، وإذا بالضابط الذي يجلس إلى جانب السائق يشير إلينا بأننا قد وصلنا.

وكانت جلالة الملكة اليصابات أميرة البلجيك قد تفضلت فأذنت لي بلقائها في منتصف السابعة من المساء، فخشيت إذ ذاك أن أكون قد تأخرت ولكننا كنا لا نزال في حدود المتّعد، وإن بدا الظلام أحلك شديد السواد، ولكن الوقت كان مارس، وفي مثل هذا الموعد، تحت تلك السحائب الوطفاء، والغمائم المتكاثفة، يكون الليل قد سقط فعم الأرض.

ووقفت السيارة، فوثبت منها إلى رمال ذلك الساحل، وأنا أستمع إلى خرير الاوقيانوس عن كثب مني، وأكاد أتبين بحر الشمال معتلجاً مزبداً، هذا والأمطار والرياح القرة، تعزف وتترامى من حولنا، وهناك تلوح ثلاثة بيوت لا مصابيح فيها، ولا أضواء تبدو من خلال نوافذها، وشبح يحمل مصباحاً زجاجياً ساطع النور في عجلة يعدو نحونا للقائنا، وإذا به ضابطاً في خدمة جلالة الملكة في يده مشعل من تلك المشاعل الكهربائية لا تستطيع الرياح أن تخنق أنفاسها.

فلما دخلت البيت الأول من تلك البيوت الثلاث على هدى ذلك الضابط، أسرعت أهم بخلع معطفي في البهو، استعداداً للقاء الملكة، وإذ به يقول: كلا، كلا، بل أمسك عليك معطفك إننا سنخرج من هذا البيت حتى نصل إلى حجرات صاحبة الجلالة.

وكان هذا البيت الأول معداً لوصيفات الملكة وضباط بلاطها الذي أصبح خلواً من البهجة، مقلاً من الآداب والرسميات، يعيش إذا عم الظلام الكون في حلكة دائمة حيطة من غرة القنابل، وحذراً من مباغتة المطارات، ولم نلبث لحظة حتى بلغنا حجرات الملكة وقد تبينت ثمة أرضاً براحاً رملية مترامية كالصحراء لا حدود لها.

قال دليلي وهو يجتذبني إلى الحديث، ألا يخيل إليك هذا المكان بقعة في صحراء أنك إذ