للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

خاصبة فرحة بهيجة، تشعرك أنها إنما قد كتبت على صوت ضحكة فرحة أطلقها زائر من الزوار، أو ملحة أرسلها في المجلس ظريف من الظرفاء، حتى تهجم عليك قطعة أخرى صامتة حزينة قفراء، تدلك على أن سكوناً أليماً كان قد نزل إذ ذاك بالمجلس، أو تهويماً اختلج العيون، أو ثقيلاً غليظ القلب، مشوه الروح، عرض للندوة، فهربوا من غلظته بالصمت الأليم.

والآن وقد طوى أحمد لطفي بك السيد الماضي وأصبح ذهنه البديع مجلداً كذلك في طي مجموعات الجريدة في دار الكتب، والآن وقد أمسك عن الكتابة، ورضي بالعيش في ظل الإدارة، وترك الحياة البديعة التي كان يعيشها، مع الشعب، في جناب الأدباء، حبيباً إلى النفوس، مقروءاً في كل حين، فهل ترون المستقبل كفيلاً بأن يعيد إلينا نشاطه الأول الذي كان في ماضيه، ويغني عنا ما فقدناه من فترة حاضرة، وهل تظنونه واضعاً بعد اليوم كتاباً مخلداً بعده، أو مخرجاً أثره يبقي آخر الحياة فخماً مهذباً سامياً على أثره.

إننا نعيش تحت جو حار يذبل عاجلاً فيه الذهن، وتخمد بسرعة القريحة، ولا يكاد الكاتب المبدع يجتاز الخمسين حتى يحس ذهنه متبلداً، ورأسه أشيب ناصعاً وخواطره قرة باردة، لا تلذ إلا في جلسات العجائز، حول الموقدة، فإذا لم يعن المفكر بنفسه ويتخذ الحذر لقريحته، ويسارع في وضع ما يعن له من تواليفه، ويستبق الخطى إلى الخلود قبل أن نعجله شيخوخته، فلا يلبث أن يرى الزمن يفر مسرعاً من بين راحته، ويمضي الحياة بلا تراث ذهني يذكره الناس به.

وكذلك نخشى على لطفي بك فتوره الوقتي اليوم، ونخاف تبلده وسكونه، ونشفق من أن يمضي عن الحياة مدير دار الكتب لا غير. . . . . .