للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

فقلبتها على صور شتى من (خزهى) إلى (حرهى) إلى (جزهى) إلى (حرهى) وهلم جرا وصرت أراجع المعاجم فلم توافق قط صورة من هذه الصور صحة المعني إلى أن اهتديت إلى أنها (جرهى) نسبة إلى (جرهة) وهي البلحات وما أشبهها في قمع واحد ولا شك أن الموز كذلك، ثم أن مغازلة الموز الحسناء لا معنى له فيشبه أن تكون كلمة (يغازل) محرفة عن (يماثل) بظهور المماثلة بين الموز والحسناء في العذوبة والحلاوة وحسن اللون ولين الملمس وما أشبه ذلك، فصار البيت بعد هذا التصحيح.

يشهد الله أنه لطعام ... جرهى يماثل الحسناء

فأنت تراه هنا قد تعسف تعسفاً شديداً حتى عمى الأمر على القارئ وأدجنت سماء البيت مع أن البيت في أصله صحيح وكل ما هنالك أن الميم خرجت في الخط مخرج الهاء وصواب الكلمة - خرّمى يغازل الحسناء - والخرمية نسبة إلى بابك الخرمى الخارجي المشهور الذي قتل بعد ولادة ابن الرومي بقليل وهي كلمة فارسية معناها الفرح والسرور ويسمون نحلتهم لذلك دين الفرح، وقد لقيت الدولة العباسية من هذا الرجل عننا، وهم يبيحون النساء قاطبة لا فرق ثمة بين الأم والأخت والبنت، وتلك نزعة مجوسية وهي منشأ مذهبهم، فشبه ابن الرومي الموز بأنه طعام خرمى يستهوي الحسان ولا يتحرج من إثم شأن تلك الطائفة لأنه عند الشاعر من الفرح والسرور حتى عدا الظفر به فوزاً وعد فوته موتاً كما ذكر ذلك في هذه القصيدة وفيها من المبالغات شيء كثير، ألا ترى أن الشاعر قال (يشهد الله أنه لطعام الخ) فلم يشهد الله على أنه كذلك لولا أن الأمر أكبر من أن يكون وصفاً ساذجاً طبيعياً (جرهياً). . . . ولا يخفى أن تلك العبارة لا تقال إلا في الأمور العظيمة من حلال وحرام، وعندنا أن ابن الرومي قصد من الخرمية معنى أبعد من ذلك وأدق في الوصف وأبلغ في الإشارة وأشبه بابن الرومي الذي يحوم كثيراً في شعره حول الحاسة الجنسية ومتعلقاتها، وذلك المعنى يتعلق بصفة الموزة في شكلها وخلقتها. . . . وهذا من خبث ابن الرومي وفحشه وكم له من مثلها وأقبح منها تلميحاً وتصريحاً.

(وبعد) فإنا نكتفي بهذا الآن ولا بد لنا إن شاء الله من عودة نستقصي فيها هفوات الأستاذ - على أن الديوان خليق بأن يقتني وما على المتأدبين إلا أن يستقلوا بأذهانهم ولا يعتمدوا كثيراً على الشرح في تفهم معنى ابن الرومي - والكتاب يباع بعشرين قرشاً صاغاً وهو