للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

إلى طلاب الفلسفة

فلسفة التحول وعلاقة الفلسفة بالحياة

خلاصة مبادئ الفيلسوف العصري هنري برجسون

هنري برجسون اسم ذائع الذكر في فرنسا خفاق البنود في مدائن الغرب كله، ولعل القراء قد مروا في مطالعتهم الأنباء البرقية التي وردت في الصحف أخيراً بخبر احتفال الأكاديمية الفرنسية بهذا الرجل، تمجيداً لشأنه، وإكباراً لنبوغه، وهو الآن أستاذ في جامعة فرنسا وعضو في المجمع العلمي، وقد اشتهر اسمه أخيراً في العالم المتحضر ونقلت جميع تواليفه إلى جميع لغات الغرب، وأهم هذه التواليف الثلاثة، وضعها على فترات من الزمن، مستقلة بعضها عن بعض، خص كلاً منها بنظرية قائمة بذاتها، وأول هذه التواليف كتابه الموسوم بعنوان الزمن وحرية الإرادة وهذا المؤلف يرجع تاريخه إلى عام ١٨٨٨ والثاني المادة والذاكرة وقد كان أول ظهوره عام ١٨٩٦ وثالثها وأشهرها وأحفلها بالفلسفة الناضجة كتابه التطور المنتج عام ١٩٠٧ ولعل هذه هي رؤوس كتبه، لأن ما جاء بعدها لم يأت بشيء جديد، بل كان شرحاً لنظريات الفيلسوف وتوسعاً في بيان دقائقها والمستغلق المستعصي على أذهان الناس منها.

ونحن المصريين الذين نريد أن نؤلف لنا مجموعة جديدة من الآداب، ونحدث نهضة عصرية في الفكر والفلسفة، خلقاء بأن نشارك الغرب في اهتمامهم بنظريات هذا الفيلسوف وآرائه لأنها تفتح مغاليق الذهن، وتكشف ما استسر من حقائق الحياة ومكنونات هذا الكون ولهذا رأينا أن نشرح للجمهور المهذب شيئاً من مبادئ هذا الفيلسوف ونلخص أساس قواعده الفلسفية كلما رأينا الزمن لذلك مواتياً، والفرص مطاوعة، ونحن الآن بادئون الشرح ليكون عوناً لطلاب التعمق في الدرس، وسبيلاً موطئة للذين يريدون أن يمعنوا في بحث حقائق هذه الفلسفة الجديدة.

لعل أكبر ما لفت أذهان الناس إلى فلسفة برجسون هي سهولة الحقائق التي بنيت عليها، وبساطة العناصر الأولية التي تألفت منها، على أن أكبر المكتشفات العلمية كانت بسيطة للغاية في مصدرها وأصلها التي تفرعت عنه، وليست الدهشة التي تعتري العالم عند وثوب المكتشف إليهم بها هي تساؤلهم كيف تأخرت الإنسانية كل هذا الزمن عن الاهتداء إليها، بل لعل تلك المكتشفات كانت مختفية في طي حقيقة ظاهرة للعيان، يلمسها الناس كل