للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قلت مواسياً الطفل: أتعدني إذا أرسلتك إلى وطنك أنك غير فاعل أمراً آخر يجرح فؤاد أمك؟

فأجاب أعدك ذلك يا سيدي، إني لأعدك كل شيء إلا. . . . . . وهنا تمهل متردداً

قلت. . ماذا. . .؟

قال. . . إلا. . . إلا. . إلا أن يحول شيء بيني وبين قتال أولئك الألمان الملاعين. .!

فضحكت ملء قلبي وعجبت كيف يلقي الأطفال كراهية الشعوب ولعل الصبي تعلم ذلك من والدته. .

وفي المساء بعينه أشرت إلى سفينة نرويجية كانت تمخر العباب ونقلت الصغير إليها بعد أن استوثقت من القبطان بأن ينزله ساحل وطنه فسر القبطان ذلك وأنبأني أنه كان شاخصاً بالصدفة إلى لندن وكانت قرية الفتى عن كثب منها، والآن أسائل نفسي هل ترى الصبي تاركاً أحد هؤلاء الألمان الملاعين في نجوة من شره إذا وقعت في يديه. . . . .

بلغني الآن منذ آونة بأنني سأتلقى قيادة غواصة كبرى فلم أندم على تركي هذه الغواصة رقم ١٣ لأنها لم تكن تعجبني. . . . .

١٥ أكتوبر سنة ١٩١٥

الأيام الثلاثة التي مضت كانت أرهب الأيام في حياتي ولن تمحي ذكراها من خاطري.

لم تكن الغواصة التي استلمت قيادتها وهي الغواصة رقم ٣٤ أرحب صدراً من تلك المسكينة التي تركتها وأفخم حالاً فقط بل كان بحارتها أقل وحشية من أولئك وأرفق قسوة ثم زد على ذلك أن معي صديقي العزيز فرتزلونج، وهو يتلوني في القيادة. . .

وعجيب من القضاء والقدر أن يعبث بنا هذا العبث ويقذفنا بتلك الدعابات، إنني عندما تركت استوكهولم لم يكن فرتز قد تلقى بعد الأوامر بالانضمام إلى الصفوف وجعل يقول: وإذا دعيت إليها أبيتها إذ كان يعد الحرب عودة إلى الوحشية ذهابة بالمدنية، مفسدة للكولتور الذي أقمناه ورفعنا بنيانه، ولم يكن في دعاة السلم من هو أشد حمية منه.

فلما سألته ماذا غيّره وأحاله جندياً، أنشأ يقول بصراحته المعتادة: لم أتغير ولم يتبدل ذهني، إنني لا أزال أعد الحرب جرماً وفعلة خاطئة ولكن ماذا أصنع لقد وجدتني زنبلكاً صغيراً في وسط ملايين من قطع هذه الماكينة العظيمة التي يسمونها الوطن. . ومن العار الأكبر