للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

المبدع على الإبداع وتهدي المخترع إلى الاختراع وألوان لم تنسخ الأيام آيتها، ولم تنل الدهر جدتها.

تلك صورة المعبد وقد كان الواجب يتقاضى البحث عنه من الجهة التاريخية إلا أن تاريخ العصور التي تمخضت عن تلك الآثار يستقى أنباءه من النقوش الأثرية التي بقيت ألغازاً مبهمة وطلسمات معجمة أدهاراً طويلة، إلى أن أعلن اكتشاف (الهيرجليفي) على أثر الوقوع على حجر رشيد فتهللت وجوه أهل العلم لذلك، وظنوا أنهم عثروا على مفتاح التاريخ وفتحوا باب العلم المغلق وربما كان هذا الاكتشاف نافعاً لو بقيت كتب الأقدمين، فأما وليس لنا منها إلا ما بقى على الدمن والأطلال الدوارس، فإن اكتشاف خطهم جاء كآلة قليلة الغناء هذا إذا صحت دلالة ذلك الخط، وفهمت إشارته وساوى في إفادته المعاني سائر الكتابة المقروءة - لكني لا أؤمن بقدرته على تلك الإفادة، وأشك في صحة دلالته على الرغم من كثرة قرائه ووفرة المؤلفين فيه وسهولة تعلمه ونشر طريقته وتعويل علماء العصر عليه وإقرار الجمعيات العلمية لأن طريقة اكتشافه مدعاة للشك، موجبة للريب، فلقد قال لنا مكتشف أنه رأى منشوراً على حجر رشيد مكتوباً باليونانية، ورآه مكتوباً بالمصرية القديمة في ناحية من الحجر ورأى في ناحية ثالثة نقوشاً (هيرجليفية) اعتقد أنها المنشور بعينه، فشرع يستخرج من تلك النقوش الحروف الهجائية لتلك اللغة، وبعد استخراجها قرأ بها سائر الكتابة وفهم دلالتها وكلماتها بعد أبحاث ترجع إلى مثل ذلك - إننا إذا تساهلنا وقلنا أن المكتوب باللغتين المقروءتين، هو المرسوم باللغة غير المقروءة لا نزال نرى أن إخراج الحروف من هذا الحجر، على هذا النحو من الأمور الصعبة.

الغريب أن الكتابة المكتشفة لم تكن من نوع الكتابة المعتادة في دلالتها بل كانت على ما يقول مكتشفوها، رموزاً، وإشارات، يختص بها طائفة من رجال الدين، بادوا وبادت دولتهم، قبل أن يطلعوا أحداً على تلك الرموز أو يرشدوا إلى تعليمها بمؤلف مكتوب بلغة معروفة وهذا مما يرجح عندنا أن المنقوش على حجر رشيد (بالهيرجليفي) يخالف المكتوب عليه باليوناني والمصري وإلا لما كان سراً مصوناً عن العامة مضنوناً به على الناس فكتابة المنشورات به تنافي أن يكون سراً محجباً ووضعه على هذه الطريقة يعرض رموزه للحل وألغازه للبيان وهذا ينافي شدة الكتمان.