للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

[جولة في الأصيل]

معربة عن الانكليزية بقلم حضرة الكاتب الشاعر الأشهر محمود أفندي عماد:

أعط الفكر هدنة، ودعنا نخب في أحشاء هذه المروج الخضر، ونتسنم متن ذلك الساحل الرملي، أو ننحدر إلى مسارب تلك الغابة الغلباء، طائرين بأجنحة الخيال بين مجاهلها الموحشة لنشهد الطبيعة تختال في ثوب عرسها القشيب.

اطرح آنة ما صحفك الميتة التي كنت تقرؤها في ليالي الشتاء لترى فيها وصف غيضة أو غدير، وحسبك فاقرأ هذه الصحيفة الحية، صحيفة الطبيعة الحكيمة ن واجمع من أساطرها نخبة صالحة من العظات البالغات، فما أرى كل نجم أو شجر أو ورقة أو زهرة غضة كانت أو يابسة ألا تحتوي على سفر ضخم مكتظ بالحكم الرائعة، والطرف المستملحة فلنقرأ ثم لنقرأ، ولننهب بالعين مخبوءات هذا السفر القيّم.

رويدك وانظر قبل أن نغادر عتبة الدار هذه الزهرة التي يسمونها (فلة الوادي) واقرأ طرفتها المعلقة بأجراسها المتدلية البيضاء، أنها لا تنبت على جوانب الطرق العامة حذراً من أن تلهبها شمس الظهيرة المحرقة، وهي ليست على شيء من حب التبرج المكذوب والظهور الخادع، بل تراها قانعة بقميصها الأبيض العادي الذي يتضوع من أردانه ريحها الطيب فيرشد المعتسف إلى منبتها الخفي البعيد.

وفي الوقت الذي تطأطئ فيه أترابها الشامخات رؤوسهن أمام سلطان النسيم القاهر تتنفس هي بسكينة ورفق في مخبئها الوادع الأمين، وسواء عليها مرت الريح رخاء تتخلل ثنايا الكروم الدانية أو نكباء تنطح هامات أشجار الحور والبلوط العالية فتحطمها بشراسة وبأس:

وكذلك النفوس المتواضعة لا تشعر كثيراً بضربات القضاء المتوالية التي تهز بقوة عرش الملك العظيم.

وليست العلياء على منعتها إلا رصداً للمهالك، فلنقنع ولنتواضع نعش في سكينة وسلام، ولكن هلمّ، فقد أبطأنا، وتسلّل برشاقة وحذر لئلا توقظ زهر (الزعفران) النائم أو يراك (الأقحوان) اليقظ الذي يولي وجهه دائماً شطر قرص الشمس، وانظر على كثب منه (زهرة الربيع) التي كأنما أضناها الحب فنكست رأسها لتخفي صدرها المجروح أو زهرة (الدمروز) الملساء ذات الطرف الساجي، وإلى جانبها زهرة (الهندبا) التي تذكرني بالتلميذ يمرح زماناً في ثوب المدرسة الذهبي، ثم تمسه يد القسيس فإذا هو في ثوب روحاني