للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

ساذج.

أو هل بصرت بتلك الزهرة الحزينة، زهرة (الهيكنت) التي يقولون إنها تحيا الليل باكية والنهار منكسة الجبين؟

لله ما أنضر هذا الحقل، وأبهج منظره الذي ترتاح إليه النفوس، إنه كصبي غض الصبا يخب لاهياً في طيلسان من حرير وقد تهدلت على كتفيه خصل شعره الناعم الأثيث ولكأني بالنجوم التي تنتثر في زرقة السماء أقل عدداً من زهرات (كأس الملك) المنتثرة في خضرة هذه الأرض وقد تخللتها زهرات الأقحوان، لشد ما عانى الفلاح الماهر في تهذيب هذه الغروس وتشذيبها وأخص من بينها أشجار (التنوب) الصلبة فنشطت تحمل سلالها الذهبية.

على رسلك يا صاح، ولا تدن منها، فإني لأشفق عليك من نصالها المشحوذة التي تدب بحماس عن زهراتها المتدلية.

لقد زعموا أن (الأرواح) يألفن كثيراً هذه الأشجار ويهرعن إليها إذا جن الليل جماعات جماعات، وفي يد كل واحدة منهن زهرة من زهرات (كأس الملك) تحتسي بها سلسال النسيم العليل، ثم يأخذن في الرقص والطفر على وقع النغمات البعيدة التي ترويها الريح عن تلك القرى، أو سجعات البلابل الأنيقة التي ترددها عند انتصاف الليل.

وما أحسب هذه الدائرة الصغيرة إلا مكان التئام الحفلة، فهنا أتى أبيرون (ملك الأرواح) يقود رهطه على ضوء مشعلته الكبيرة وأخذ معه في اللهو والمرح ولعل ذلك هو سر ما نراه من احتشام الشاة هذه النواحي الخصبة، وتهيبها مراعيها على ما بها من نضارة وإيناع.

ويقولون إن هذه الأرواح لا يزلن على حالهن تلك إلى أن ينشطر الليل نصفين ويصيح الديك صيحته المعهودة، فيقفن رقصهن وزمرهن ثم ينصرفن أسرع من سنحات الفكر، ويتبعن (نصف الليل) أينما حل في أنحاء الأرض!!

هكذا ينسج الخيال نسيجه الشفاف، ويعجب العقل بهذا الصنع الدقيق، فيفلت من أسره، ويطير بجناحي النسر، محلقاً فوق الشمس.

ألم تر إلى تلك الغابة التي تكسو هذا المنحدر كيف تتموج أوراق أشجارها عندما يحركها النسيم فتعكس لوناً فضياً بهيجاً؟ خذ بنا إليها، ولنسلك هذا الدرب الأرنّ، ولنلقف بأسماعنا